أبحر بنا ياعالم الأطفال

مع بداية الثمانينيات فضّل الأستاذ المخرج  طالب السعد أن يتفرّغ إلى رئاسة قسم برامج الأطفال ، وخصوصا بعد أن صار قسما كبيرا ينتج الكثير من البرامج اليومية والأسبوعية ، والمسلسلات الدرامية، والتمثليات الأسبوعية والبرامج الجماهيرية، لذلك أوعز إليّ رسميا أن أكون مخرج برنامج عالم الأطفال اليومي ..الذي كان يحظى بجماهيرية كبيرة ، من جميع محافظات العراق..وبدأت أفكّر في تجديد فقرات هذا البرنامج الحيوي ،لكي لايشعر المستمع بالملل..وبدأت أول مابدأت بالتفكير في تطوير المقدمة الغنائية للبرنامج..وطلبت هذا من أستاذي طالب السعد ..الذي كلّف أكثر من شاعر بكتابة عدة أبيات شعرية ، لتكون المقدّمة الغنائية الجديدة للبرنامج..حتى وقع الاختيار على قصيدة كتبها خالد يوسف، الذي كان يتردّد بشكل يومي تقريبا على القسم حتى إن ابنته ( على ماأذكر كان اسمها ضمياء) كانت معنا ضمن الأطفال الذين يقدمون بعض فقرات البرنامج..وكنت معتقدا لسنوات أن هذه الكلمات هي للشاعر فاروق سلوم : حيث كان هو الآخر دائم الحضور للقسم مع الأستاذ سامي الزبيدي باعتبارهما محرّرين ثابتيتن لبرامج القسم.بعدها تمّ تكليف الأستاذ حسين قدوري بتلحينها وتوزيعها موسيقيا..وكنت أنا حلقة الوصل المباشرة مابين الأستاذ حسين قدوري والأستاذ جواد العلي مدير الإذاعة ، الذي طلب مني أن يستمع إلى الأغنية قبل أن نعتمدها رسميا..وفعلا بعد أن انتهى الأستاذ قدوري من مرحلة مكساج الأغنية..سلّمني نسخة منها لأسمعها إلى الأستاذ جواد العلي..طبعا بعد أن أسمعتها إلى أبي فتحي( طالب السعد) باعتباره رئيسا للقسم.. فوافق أبو فتحي..لكنه أخبرني أن موافقته  هذه لابد أن تكون مقرونة بموافقة مدير الإذاعة..وماكان مني إلى أن أحمل الشريط الصغير ( 5 إنش) وأذهب إلى أبي سجى( جواد العلي) الذي كان شديد الحرص على متابعة كل صغيرة وكبيرة..وكنا سعداء جدا بهذا الحرص..لكنّه هذه المرة صدمني برأيه..إذا اعترض على الأغنية ..وخصوصا مقدّمتها ونهايتها،  التي تبدا بالهيلات..(هيلا هي..هيلا هيلا هي)..وقال لي: أخبر الأستاذ حسين قدوري أن هذه الهيلات تبدو وكأنها أصوات صيادين من مصر أو الاسكندرية وليست عراقية..حبذا أن يستغني عنها..حاولت جاهدا إقناعه من غير فائدة..عدت إلى الأستاذ قدوري لأخبره برأي الأستاذ العلي..وهنا ثار غضبا وقال إن هذه الصيحات لصيادينا في العراق أيضا..عدت إلى مدير الإذاعة وأخبرته برأي الأستاذ قدوري..وأصرّ أنه لن يقبلها بهذا الشكل..وقال أنا ابن الفرات الأوسط ولم أسمع بهذه الصيحات من قبل..عدت إلى قدّوري ..ولأخبره ..وإذا به يثور غضبا هو الآخر ويقول أنا أيضا ابن منطقة الفرات الأوسط أبا عن جدّ ..ولطالما سمعت أصوات الصيادين وهم يردّدون هيلا هيلا وهم يمارسون مهنتهم في صيد السمك..أخيرا رجعت إلى الأستاذ مدير الإذاعة ورجوته  أن يعفيني من مهمة المرسال، وأن يواجه الأستاذ قدوري برأيه وجها لوجه..لأنني أحترم الشخصين معا..وبرأيي كمخرج للبرنامج  أن هذاه المقدمة الغنائية مناسبة جدا ، وفيها تجديد وحماس وفرح وتوزيع موسيقي جميل واختلاف عن المقدمة السابقة التي كانت كلماتها التي اختيرت من قصيدة قديمة للشاعر الراحل غازي دوّاي الفهد مع بعض التغييرات الطفيفة،ولحنها أيضا يغلب عليهما الحزن..رغم أنه للأستاذ قدوري نفسه .. كانت كلماتها تقول: 

على شفاهنا حطّت فراشتان..

ومن أكفّنا طارت حمامتان..

أماه يابلادنا..

نهراك في صدورنا ..

قلادتان

لكن يبدو أن الأستاذ جواد العلي اقتنع أخيرا  ..أوربما أشفق عليّ ووفر علي جهد الرواح والمجيء ..إذ قال:(لعد سوّي اللي يعجبكم)..وفي مساء نفس اليوم بدأت أعدّ العدة لتكون هذه الأغنية المقدمة الغنائية الجديدة لبرنامج عالم الأطفال..وبثت فعلا مع بداية الدورة الإذاعية الجديدة التي شهدت تغييرات عدة في مختلف برامجها الثقافية والمنوعات وسائر البرامج الأخرى.رحم الله الأستاذين حسين قدوري وطالب السعد..والصحة والعافية أتمنها للأستاذين جواد العلي وخالد يوسف.

هيلا هي..هيلا هيلا هي

أبحر بنا أبحر بنا ..ياعالم الأطفال

لغدنا.. إلى لمنى ..لزورق الخيال

وارسم لنا طريقنا ..وعرّف الأجيال

إنّا هنا لنا الدنى.. والفجر والآمال

هيلا هي..هيلا هيلا هي

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *