رواية قطار الساعة الثامنة

  
 
                                                رواية كتبها: ضرغام فاضل 
 
 كثير من الناس يهوى تربية الحيوانات الأليفة,كالقطط والكلاب . .وبعض الناس يريد أن يتميّز عن البقيّة ,فيربّي حيوانات غير مألوفة ,     كالسناجب أو القرود , وآخر يربّي فئران الحقل أو الفئران البيضاء.     والبعض الآخر يربّي حيوانات أو حشرات, تكاد تكون مقزّزة ومنفّرة لمن لايقدّر متعة هذه الهواية..كالعناكب أو السلاحف الصغيرة أو الثعابين. أمّا (( نبيه )) ابن الرابعة عشرة ..فهو يحبّ الطيور كثيراً منذ أن كان صغيراً..وهذا ماجعله يتبنّى تربية ببغاء من فصيلة أمازونية نادرة وغالية الثمن,لها قابلية التعلّم السريع.والتآلف مع البشر , منذ أن كانت فرخاً صغيراً حتى كبرت ,وصار يعلّمها كلمات بسيطة .و يجعلها تقلّد أصواتاً..كصوت الجرس..أو صوت رنين الهاتف..وكثيراً ماكان يقضّي برفقتها ساعات من المتعة والفرح..لكنّ نبيه هذا صارت الأمور تتطوّر معه إلى درجة أنه صار يكلّم ببغاءه ( فوفي) كأنه يكلًم واحداً من  أصدقائه..ينقل لها أخبار المدرسة..ويستشيرها في مواضيع يضحك معها..ويناقشها..ويسرّها بأشياء لايحكيها ربّما لوالده أو والدته ,أو حتى لأصدقائه في المدرسة. وكان نبيه يتخيّل أن فوفي تشاركه الحديث والنقاشات التي كانت تدور بينهما..رغم أنّ فوفي في الحقيقة,ليست كما يتخيّل نبيه تماماً.إذ لم يكن بمقدورها أن تتكلّم سوى ماقدّر لها الله, من تقليد الأصوات و ترديد بعض الكلمات..  ولكنّ الحب والتعلّق الكبير والمعزّة التي كان يكنّها نبيه لصديقته ورفيقة طفولته, هي التي ولّدت هذه اللغة الخاصة المشتركة بينهما,والتي لايفهما إلا هما وحدهما.
عندما حلّت أيام العطلة الربيعية.فضّل نبيه أن يقضي أيام إجازته في بيت خاله في مدينة تبعد ساعات عن المدينة التي يسكنها نبيه..لعدّة أسباب منها:أن ابن خاله عدنان بمثل عمره ,وتجمعهما أشياء مشتركة كثيرة في الهوايات والأفكار .والشيء الثاني أنه أراد أن يبتعد عن أجواء المدينة وصخبها إلى مكان أكثر هدوءا ً..وجوّ أكثر نقاء.أما السبب الأخير فقد كان مفاجأة لن نبوح بها, إلا بعد أن يصارح بها فوفي.حيث ستكون رفيقته في رحلته هذه..وكالعادة طبعاً.
وفي مساء أحد الأيام,علّق نبيه حقيبة سفره الصغيرة على كتفه..بينما وقفت فوفي على كتفه الآخر,,وراحا يمشيان على رصيف الشارع, بعد أن أنزلتهما السيارة في المكان الذي حدّده نبيه.
قال نبيه:
– هل تصدّقين يا فوفي.. أنّني لم أرَ خالي منذ أكثر من ستة شهور ؟!.
أجابته فوفي:
– ياه!!… إنها فترة طويلة فعلاً .
قال نبيه:
–  إنّ المسافة التي تفصلنا عن مدينته طويلة.. وتحتاج  إلى ساعات كي نصل إليها، لذلك كنت قد أرسلت رسالة إلى( عدنان )ابن خالي, أعلمه فيها عن نيّتي لزيارتهم هذا اليوم.
ابتسمت فوفي وقالت:
– أعرف هذا..أنسيت؟. فأنا التي أودعتها في البريد قبل أيام قليلة.
قال نبيه ضاحكاً:
–  آه..صحيح..
ثم طارت فوفي فوق رأس نبيه .وهي تقول:
– سيكون بانتظارنا ، لأنه من المؤكّد تسلّم رسالتك.
ثم لاحظت فوفي أنها ونبيه, يمشيان في مكان لم يسبق لنبيه أن اصطحبها إليه.فسألته:
– ولكن إلى أين وجهتنا؟.ولماذا لم اخترت السفر مساء؟.
ضحك نبيه قائلاً:
– لا..هذه مفاجأة يا فوفي ولن أبوح بها إلاّعندما نكون قبالتها.
لكن فوفي لم تتحمّل الانتظار.فقالت:
–  أرجوك يا نبيه… أنا لا أحتمل الصبر.
أشار نبيه بسبّابته بالنفي..فماكان من فوفي إلا أن تعود أدراجها إلى كتفه ,محاولة معرفة المفاجأة:
–  هل للمفاجأة علاقة برحلتنا هذه؟.
هزّ نبيه رأسه قائلاً:
–  طبعًا ..
ثم انتقلت من الكتف الأيسر لتقف على الكتف الأيمن..وصارت تلحّ في معرفة مايعنيه نبيه..وسألت مرة أخرى:
–  هل هي شيء يؤكل أم يشرب ؟ أم للتسلية ؟.
هزّ نبيه بسبابته قائلاً:                                                      
–  لا هذا ولا ذاك.. لاأدري لماذا أنت عجول هكذا. قلت لك إنها مفاجأة .
وبعد قليل وقف نبيه وفوفي أمام مبنى فخم, مكتوب على مقدّمته ( محطّة قطار ).وأشار نبيه إلى اللافتة  المعلّقة فوق المبنى.قائلاً:           
–  والآن.. ما رأيك ؟.
نظرت فوفي صوب ماأشار نبيه..ثم قالت:
–  إنها محطّة قطار… لاأفهم شيئًا!!..
 مدّ نبيه يده في جيبه..وأخرج منه تذكرتين. وراح يهزّهما قائلاً:
–  انظري… وستعرفين كلّ شيء .
راحت فوفي تتفحّص التذكرتين وهي سعيدة، ثم صرخت بسعادة:
–  إنها تذاكر !.. هل تقصد أننا…
أومأ نبيه برأسه أن ..نعم..ثم أردف قائلاً:                                       
– لقد حجزت غرفة صغيرة في القطار،لأنني أعرف مدى تشوّقك لركوب لقطار.                                                         
 قفزت فوفي فرحة,وارتمت في أحضان  نبيه, الذي غطّ بالضحك .ثم صارت تحلّق بشكل دائري حول رأسه..وهي تقول:    
– ياه.. ما أسعدني!!.. وأخيرًا تحقّق حلمي,وسأركب القطار.. شكرًا يانبيه على هذه المفاجأة.إنها لطيفة حقًا .
توجّه نبيه وفوفي إلى المخطة..ودخلا من بوّابتها الرئيسة,تلفّت نبيه يميناً ويساراً..ثمّ قال:
– علينا أولاً أن نتأكّد من موعد المغادرة .
ثمّ سار باتجاه اليسار, باحثاً عن الموظّف المختص..وعندما لمح شبّاكاً زجاجياً يقف الناس عنده على شكل طابور..اقترب منه..وعرف أنه هو مايبحث عنه..انضمّ إلى الدور..وعندما جاء دوره ..أخرج التذكرتين وسلّمها للموظف ..وسأله:
– من فضلك ياعمّ… لقد حجزت تذكرتين في قطار الساعة الثامنة هذا المساء.. هل ما يزال الحجزساريًا؟.
 بعد أن تفحّص الموظف التذكرتين.. أجاب مبتسماً:
– نعم… غرفتك في العربة رقم 12.. ولكن عليك  الركوب في القطار قبل هذا الموعد بربع ساعة في الأقل.
راح نبيه وفوفي يتجوّلان في ردهات المحطة ومرافقها,ليقضّيا الوقت,قالت فوفي منبهرة بما حولها:
–  إنها أول مرة أرى فيها محطة قطار .
ابتسم نبيه قائلاً:   
–   أمّا أنا فقد رأيتها من قبل، عندما كنت صغيراً, حينما سافرت مع أهلي إلى بيت خالي ،  كانت رحلة جميلة بحقّ! .
 كان منظر القطار بديعاً بعرباته الخضراء ..المسطّرة تباعاً..وهذا ماأغرى فوفي لأن تلقي نظرة عليه ..فأخذت الإذن من نبيه , الذي وافق شريطة أن لاتتأخّر عليه. وراح ينظر للناس من حوله, إن عددهم كبير جداً..يحسبون بالمئات..فتساءل نبيه مع نفسه:
_ هل سيستوعب القطار كلّ هذا العدد ؟. 
بعد دقائق عادت فوفي فرحة من جولتها السريعة ..لتقف على الكرسيّ.حيث يجلس نبيه.ثمّ قالت:
– إنها خمسة وعشرون عربة يانبيه… عربة أجمل من عربة .
ضحك نبيه قائلاً:
– تريدين أن تبرهني لي أنّك تعلّمت العد لأكثر من عشرة..أنا أعرف هذا لأنّني أنا من علّمتك ذلك.
ثم ضحكت فوفي..واستأنفت قائلة:
– ولكن يانبيه. إذا كانت القاطرة تجرّ كلّ هذا العدد من المقطورات, أي العربات، فكم مسافراً يسع هذا القطار ؟.
أجاب نبيه بعد أن وضع رجله فوق الأخرى:                                                        
– لا أدري بالضبط، ولكن ما أعرفه أنّ هذه العربات مقسّمة إلى فئات. فهناك الدرجة الأولى،والثانية، وكذلك الدرجة السياحية، وهناك غرف للمنام صغيرة وكبيرة، وأيضاً هناك عربات مخصّصة للوقود ولطاقم القطار، وللمطعم ، وعربات لشحن البضائع .
فسألت فوفي:
– هذا يعني أنّ القطار يحمل في عرباته آلاف المسافرين؟.
أجابها:
–  نعم.. وهناك قطارات فخمة, تستوعب عشرات  الآلاف، وقطارات أخرى تقطع مئات الكيلومترات في ساعات قليلة،كما أنّ هناك قطارات لشدّة سرعتها حفرت لها أنفاق تحت الأرض .
هزّت فوفي رأسها مستحسنة ماسمعته من نبيه,ثم سألت:
– بالمناسبة يا نبيه… متى سنصل إلى المدينة التي يسكنها خالك ؟.
نظر نبيه إلى ساعة يده,وقال:
– سنصل في الساعة السابعة صباحًا تقريباً، وسيكون (عدنان) ابن خالي بانتظارنا في المحطّة.
وفي هذه الأثناء انبعث صوت من مكبّرات الصوت المنتشرة في أرجاء المحطة.يقول:
(( على المسافرين في قطار الساعة الثامنة التّوجه إلى العربات واتّخاذ أماكنهم رجاءًا)) .
نهض نبيه حاملاً حقيبته  على كتفه.ونظّف بنطلونه مما علق بها من غبار.وهو يقول :
_  لقد مرّ الوقت سريعاً.
قالت فوفي:                     
– سأسبقك وأقف على العربة رقم 12 لأنني رأيتها عندما قمت بجولتي الاستطلاعية قبل قليل.
ثم طارت باتجاه عربات القطار,بينما راح نبيه يمشي بموازاتها,وهو يبحث  بين العربات عن رقم عربته المنشودة,منبهراً بمنظرها الجذاب,                                                     
– ((  هذه العربة 6، وتلك 7،.. ما يزال أمامي خمس. عربات حتى أصل إلى العربة 12)).
أما فوفي فقد وصلت قبله,وصارت تطير فوق العربة ,مرفرفة بجناحيها الملوّنين.منتظرة وصول صاحبها,ولكن يبدو أنّ شيئاً ما على الأرض أثار انتباهها ,ثم مالبث أن أثار قلقها.فقرّرت أن تخبر نبيه بما رأته . وعندما صار نبيه قريباً من العربة,حيث تطير فوفي حواليها.هبطت إليه قلقة, وعندما لاحظ نبيه قلقها سألها:                                         
–  ما بك يا فوفي؟ .
أجابته:
– لاحظت شيئًا أثار قلقي ودهشتي..
سألها نبيه ساخراً:
– ماذا لاحظت أيتها الجبانة؟.
أجابت فوفي بصوت مرتعش:
– لقد رأيت رجلين يقودان شخصًا تحت تهديد مسدّس, صوّبه أحدهما خلف ظهرالرجل.
استغرب نبيه مما سمعه,فسألها:
–  هل أنت متأكّدة مما تقولينه ؟.
أجابته:
–  طبعًا.. فإنّ لي نظرًا حادًّا وثاقبًا كما تعرف .
راح نبيه يمسّد على ظهرها مطمئناً:
_  ربّما يكونان من رجال الأمن، يؤدّيان واجبهما بالقبض على أحد المجرمين .لاتقلقي.
قالت فوفي:
_  أتمنّى ذلك !..
ثم صعدا إلى العربة من بابها المفتوح,وراحا يبحثان عن الرقم 4 بين الأرقام المكتوبة على أبواب الغرف, المنتشرة على جانب القطار.واستطاعت فوفي أن تعثر على الرقم بسهولة,فصارت تحلّق قربه منتظرة وصول نبيه, وعندما وصل نبيه إلى باب الغرفة.قال لها مبتسماً:
– اليوم أبليت بلاء حسناً.
ضحكت فوفي ووقفت على كتف نبيه, ودخلا إلى الغرفة الصغيرة.وعنما صارا فيها..تفحّصها نبيه معجباً بما يراه.قائلاً:
– انظري.. إنها تحوي كلّ وسائل الراحة.
ثم توجّه نحو السريرين الملتصقين بالجدار الجانبي للغرفة, وسحب السرير السفلي إليه قائلاً:
_ سريران. واحد فوق الآخر، بحركة بسيطة ينقلب هذا السرير السّفلي لنحصل على كرسيّين مريحين .
تقافزت فوفي سعيدة بما تراه..وصاحت:
–  يا للروعة !!.
ثم فتح صنبور مياه صغيراً ليخرج الماء منه في مغسلة معدنية صغيرة..وفال:
– وهذه مغسلة صغيرة ..نستخدمها بدل أن نخرج إلى الحمّامات العامة..وهي تفي بالغرض.
 ثم أشارنبيه بيده نحو النافذة ,حيث يوجد على جانبها زرّ أحمر… وقال:                       
– والآن.. اضغطي على ذلك الزّر ليفتح ستار النافذة ونرى الناس المودّعين.
أجابته فوفي:
– يالك من ذكيّ!!… تتذكر كلّ تفاصيل الغرفة وكأنّك تركب القطار كلّ يوم .
 جلس نبيه وفوفي قرب النافذة المفتوحة،وراحاينظران من خلالها إلى الناس وهم يلوّحون بأيديهم مودّعين .كان نبيه فرحاً بما حوله,لكنّ فوفي كانت مشغولة بأمر ما,وهذا ماأثار انتباه نبيه ,وحينما سألها عمّا يشغل بالها أجابته:         
–  ما يزال المشهد الذي رأيته أمامي يثير قلقي .
ابتسم نبيه .وأجابها:
–  لا داعي للقلق.. وعليك أن تعرفي أنّ في القطار..وحدة أمنية من واجبها الحفاظ على أمن المسافرين وراحتهم ، كما يحتوي القطار على سجن صغير, يودع فيه كلّ من يحدث بلبلة, ويثير المشاكل أو يخرج عن القانون .
وفي هذا الأثناء بدأ القطار بالتحرك شيئاً فشيئاً.خافت فوفي ,فهذه هي المرة الأولى التي تركب فيها قطاراً,قهرعت مرعوبة لتقف على كتف نبيه,الذي راح يضحك ويضحك .بينما قالت هي بصوت مرتعش:
–  ما هذا ؟! .. أشعر وكأنّ المحطة ترجع إلى الوراء.
استمر نبيه بالضحك,وهو يقول:
– إنها نكتة فعلاً, إنّك تشعرين بهذا لأنّ القطار بدأ يتحرّك رويدًا.. وسيزيد من سرعته شيئاً فشيئاً..
وبعد فليل كان القطار قد استقرّ في مسيره.وترك المحطّة وراءه..وضع نبيه يديه خلف رأسه واستلقى على الكرسيّ المريح.بينما ظلّت فوفي تتطاير في الغرفة الصغيرة.حتى هبطت واقفة على الكرسيّ الآخر.ثم قالت:
– أرجو أن تكون رحلتنا ممتعة ومفيدة..
قال نبيه بنبرة هادئة:
– السفر بالقطار بحدّ ذاته متعة حقيقية, رغم الساعات الطويلة التي سنقضّيها في الطريق .
سألت فوفي:
– بالمناسبة.. متى سنذهب إلى مطعم القطار؟ لقد بدأت أشعر بالجوع .
ابتسم نبيه قائلاً:
–  أرجو أن تصبري قليلاً…فما نزال في بداية الرحلة، وأمامناالكثير.
ثم تلفّت حواليه كأنّه يبحث عن شيء ما,حتى انتبه لوجود زرّ أحمر إلى جانب باب الغرفة ,فنهض إليه وهو يقول:
– على أيّة حال سأضغط على هذا الزّر,ليحضر نادل العربة ويجلب لنا بعض المرطّبات .
وبعد أن شرب نبيه وفوفي عصير البرتقال, وأخذا قسطًا من الراحة، قرّرا القيام بجولتهما الاستطلاعية داخل عربات القطار.فخرجا من غرفتهما, وراحا يتجوّلان في عربات القطار المتّصلة ببعضها البعض.وعندما صارا في وسط إحدى العربات ,سألت فوفي:
–  أعتقد أن مساحة هذه الغرف أكبر من غرفتنا..أليس كذلك؟.
أجابها نبيه:
–  بلى.. إنها مخصّصة لأربعة أشخاص، بينماغرفتنا لشخصين..
وبعد بضعة خطوات أشار نبيه إلى مكان ما قائلاً:
– وهذا هو الحمّام.. وقربه المطبخ .
كانت فوفي منصتة لشرح نبيه,مشدوهة بما تراه.بينما استمرّ هو موضّحاً:
– في كلّ عربات القطار ومهما اختلفت فئاتها ودرجاتها، فإنّ الإدارة قد خصّصت حمّامًا ومطبخًا في كلّ عربة زيادةً في راحة المسافر .
وعندما صارا في عربة جديدة,قال نبيه:
–  وهذه الغرف كما يبدو مخصّصة لرجال الأعمال.. إنها فخمة وأنيقة ..
انبهر فوفي كما انبهر نبيه بالأناقة والفخامة التي تميّز هذه الغرف عن الغرف الأخرى.وبينما هما كذلك وإذا بأصوات جلبة تنبعث من إحدى الغرف القريبة منهما,ففزعت فوفي.واستغرب نبيه .فهرعت فوفي واقفة على كتف نبيه.وهي تقول:
–  يا إلهي ! .. هل سمعت ما سمعته يا نبيه ؟.
أجابها نبيه:
–  نعم… لقد سمعت .
وبعد أن اطمأنت فوفي قليلاً.سألت نبيه بسخرية:
–  هل قلت إنها مخصّصة لرجال الأعمال ؟ أم لرجال البناء ؟.
ضحك نبيه..ثم قال:
–  لا تبالي… وتعالي لنكمل جولتنا .
واستمرّا في جولتهما الاستطلاعية.حتى دخلا في عربة جديدة..أشار نبيه إليها بيده قائلاً:
– وأخيراً.. هذا هو المطعم .
تطايرت فوفي سعيدة وهي تقول:
– ياه… إنه رائع وجميل ..
فجلسا على أحد المقاعد.وتناولا وجبة طعام بسيطة. كان الصديقان سعيدين برحلتهما هذه ,التي طالما انتظراها بفارغ الصبر، وها قد تحقّقت ولكن.. على ما يبدو أنّ ما رأته فوفي قبل صعودهما إلى القطار, كان مفزعًا, إلى درجة أنه عكّر سعادتها .نظر نبيه من خلال النافذة,كان الظلام دامساً, لايكاد أن يميّز الأشياء عن بعضها. وإنما فقط.. كانت هناك أضواء صغيرة ,تبدو بعيدة عن سكّة القطار.نظر إلى فوفي وسألها:
– هل أعجبك الطعام ؟.
أجابته:
–  إنه لذيذ.. والآن أفضّل الرجوع إلى الغرفة، فقد بدأت أشعر بالنعاس .
غادر الصديقان مطعم القطار,متوجّهين إلى غرفتهما.سالكين الطريق نفسه,ولكن عندما صارا يمشيان في إحدى العربات, التي توزّعت الغرف على جانبها,انتبهت فوفي إلى شيء أرعبها, فارتمت واقفة على كتف نبيه .هامسة بخوف:
–  نبيه…. انظر هناك !…
نظر نبيه صوب ماأشارت إليه فوفي.فابتسم قائلاً:
–  لم أرَ سوى شخص يدخل غرفته..
أجابته بهمس:
– إنه الشخص الذي رأيته يشهر مسدّسه ويصوّبه خلف ظهر الرجل …
توقّف نبيه عن خطواته.وراح يمعن النظر في الغرفة التي دخلها الشخص.ثم  سار إليها بخطوات حذرة..وعندما صار بالقرب من بابها. انتبه لوجود ورقة معلّقة على يد الباب, مكتوب عليها ((يرجى عدم الإزعاج)) ..ثم رفع نظره إلى الأعلى ليقرأ رقم الغرفة..إنه الرقم 9. ثم ابتعد عن الباب بضعة خطوات وراح يفكّر بشيء ما..
في هذه الأثناء تذكّرت فوفي شيئاً مهماً, فقالت هامسة مرعوبة:
– يا إلهي!!. لقد اكتشفت شيئًا آخر.. الصوت الذي سمعناه قبل قليل ,صدر من الغرفة التي دخلها هذا الرجل.. لأننّي قرأت رقمها .
ظلّ نبيه واقفاً في مكانه..وقد بدأ القلق ينتابه..بينما قالت فوفي:
–   لقد بدأت  أشعر بالخوف فعلاً هذه المرّة..
أشار نبيه لفوفي أن تتبعه بعد أن سبقها ..قائلاً:
– لنسرع إلى غرفتنا أولاً.. ثم نفكّر في الأمر.
وصلا إلى غرفتهما..وجلس نبيه يفكّر بكلّ مارآه..أفكاركثيرة راودته..عكّرت صفو رحلته ومتعتها.كان مشغول الذهن يفكّر.حتى إنّه لم يُعر أهمية لكلام فوفي ..التي قالت:
–  منذ أن أخبرتني بأن هذين الرجلين هما من رجال أمن القطار، ولحدّ هذه اللحظة, وأنا أحاول أن أطمئن نفسي بذلك، لكنني لم أقتنع تمامًا,لأنّ منظرهما كان يثير الشّك، ثم إنّ الارتباك كان باديًاعلى وجهيهما وتصرّفاتهما .
لاحظت فوفي أنّ صاحبها شارد الذهن..يفكّر..حتى إنّه لم ينتبه لكلامها.فاقتربت منه وسألته:         
– ما بالك لا تجيب ؟.
أجابها واجماً:
– شيء  أثار استغرابي وشكوكي. وهو أنّ  الغرفة التي رأيناها.. هي من الغرف المخصّصة  للمسافرين. فغرف الأمن والإدارة أنا أعرفهاجيدًا ..
قالت فوفي:
– من حسن حظي أنهما لم يرياني عندما كنت أراقبهما في المحطة، وإلا فقد كنت الآن من عداد الأموات .
نظر إليها نبيه.وعندما لاحظ أنها ترتعش من الخوف, مسّد على ريشها الناعم.وطمأنها قائلاً:
– لا…لن يشكّوا فيك في كلّ الأحوال، لأنّك لست إنسانًا. ولوكنت كذلك لاختلف الأمر .
ثم راح مع تفكيره..وقال متمتماً:
–  أخشى أن ابلّغ رجال الأمن ويتّضح بعد ذلك ,أن مارأيته هي أحلام وأوهام, لا وجود لها على أرض الواقع.
قالت فوفي منزعجة:
–  تقول أحلام ؟! سامحك الله يا نبيه.. على أيّة  حال .. أنا سأتصرّف.
طارت فوفي خارجة من الغرفة .فنهض نبيه ليناديها,لكنّه لايستطيع أن يرفع صوته.حاول أن يستوقفها..ولكن دونما فائدة..عاد أدراجه ,وجلس على الأريكة.وتمتم مع نفسه:
– ترى أين ذهبت فوفي أخشى أن يصيبها مكروه فأندم .

                       الغرفة رقم 9

 
 

من خلف باب الغرفة رقم 9 كان حوار يدور بين ثلاثة رجال:

– (( اسمع.. لا داعي للثرثرة أكثر من ذلك.. ابنك سعد في أمان، وأظنّك سمعت صوته بالهاتف قبل أن تقرّر الموافقة على عرضنا )).

– (( لم يكن لديّ خيار آخر.. إنه ولدي الوحيد، لا أملك غيره في هذه الدنيا، وأرجو أن لا تكونوا  قد قسوتم عليه)) .

– (( إنه ينعم بالخير الآن.. حبّ.. وحنان وطعام وشراب. وكلّ وسائل الراحة)) .

وفي داخل الغرفة..كان رشيد يحتضن حقيبة سوداء يضمّها إلى صدره بشدّة, وإلى جانبه يقف رجل ذو رأس أشيب الشعر.. يحمل مسدسًا وضع فوّهته على رأس رشيد ، وقربه يقف رجل آخر يبدو وجهه عابساً على الدوام.. قال رشيد وهو يبعد المسدس عن رأسه:

– أعتقد أنه لا داعي لهذا المسدّس، فلو أردت أن أتصرّف بما يدور في بالكما, لكنت قد فعلت هذا..  قبل أن أجيء إليكما ومعي المبلغ الذي طلبتماه .

راح الرجل الأشيب يؤرجح مسدّسه على راحة يده..وهو يقول بنبرة لاتخلو من الخبث:

– هذا من باب الاحتياط، ريثما تسلّمنا المبلغ وتتسلّم ابنك .

وبرغم أنّ ملامحه تدلّ على أنه عابس دوماً .إلا أن ّالرجل الآخر ضحك بسخرية.. قائلاً:

– والآن.. هيا افتح الحقيبة لنعدّ المبلغ، فربّما يكون ناقصًا، أو تكون الأوراق النقدية مزيّفة .

هذا في داخل الغرفة,أما خارجها فقد كانت فوفي تقف قريباً من الباب.بعد أن سمعت كلّ مادار من حوار بين الرجال الثلاثة.تلفّتت حواليها..لاأحد موجود في الممرّ ..سوى أبواب غرف توزّعت على جانب الممرّ الطويل..وصوت هدير محرّك القطار..يملأ المكان ضجيجاً مملاً..إنها خائفة حائرة.لاتعرف كيف تتصرّف..ولكن يبدو أنّ لاحيلة أمامها, سوى أن تلجأ لصاحبها نبيه ,وتطلعه على كلّ ماسمعته.

عادت أدراجها إلى غرفتها,لتجد أنّ نبيه يهم ّبالخروج منها,بعد أن قلق عليها. وعندما لمحها متوجّهة إليه.توقّف بانتظار أن تقترب منه.حتى وصلت ..كانت خائفة مذعورة..وهذا مادعاها لأن تدخل الغرفة فوراً. فتبعها نبيه.وبعد أن جلسا على الأريكة.قال :

– كنت قلقاً جداً عليك..أين كنت؟.

أجابته :

–  لقد جئت إليك بأخبار مذهلة..

وراحت فوفي تحكي لنبيه كلّ ما دار من حديث في الغرفة 9 . نهض نبيه من مكانه مندهشاً لما سمعه من معلومات خطيرة:

–  ماذا تقولين ؟!..

حطّت فوفي على كتفه ,وأجابت:

–  أقول ما سمعته يا نبيه، كيف سنتصرّف الآن ؟ هل نظلّ ساكتين ؟.

ضرب نبيه قبضة يده اليمنى في راحة يده اليسرى,وقال بحماس عاقداً حاجبيه:

–  لا طبعًا… سنبلّغ رجال أمن القطار .

ثم خرج مسرعاً من غرفته ,تتبعه فوفي طائرة أمامه مرّة..وبجانبه مرّة. وفي الطريق..قالت فوفي لنبيه:

– أما أنا فسأذهب لأراقب من بعيد ما يجري في الغرفة رقم 9.

ذهب كلّ إلى وجهته.فوفي إلى الغرفة المشبوهة..ونبيه إلى قسم الأمن..وهاهو يقف قبالة ضابط برتبة ملازم..استغرب الضابط ماسمعه..فنهض من وراء مكتبه الصغير, ليقف إلى جانب نبيه.وراح يربت على كتفه قائلاً:

– ما تقوله شيء خطير…. يا …

أجاب نبيه:

– نبيه. اسمي نبيه.. و فوفي هي التي اكتشفت أمرهم قبل أن نركب في القطار . 

سأل الضابط:

– أختك؟.

ضحك نبيه وقال:

– بل إنها صديقتي..

استغرب الضابط مما سمعه.وسأل:

– تسافران إذن برفقة أهلكما؟.

ردّ نبيه:

– بل وحدي..

فأدرك نبيه أن عليه أن يوضّح شيئاً للضابط,بعدما لاحظ استهجانه.فقال:

– فوفي هي ببغاء ترافقني أينما ذهبت. وهي تحبّني مثلما أحبها تماماً.ربيّتها منذ أن كانت فرخاً صغيراً.ويسعدني لو تعرّفت عليها.

ضحك الضابط بعد أن سمع من نبيه ماسمعه,وقال:

– حسبتها بنتاً من البشر,ولكن كيف تتفاهم مع صديقتك هذه؟.

أجاب نبيه بعد أن لاحظ أنّ الضابط لم يأخذ أقواله مأخذ الجدّ:

– أرجوك سيّدي الضابط.هل تظنّ أن الوقت مناسب لمثل هذا الحديث؟.لقد أخبرتك عن مجرمين يحتجزان شخصاً ليبتزّاه.وسأكلّمك عن فوفي بعد أن تقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة.

شعر الضابط بالحرج .وأدرك أنه يقف أمام فتى ذكي ومهذب, ومن غير المعقول طبعاً أنّ شخصاً بمثل هذه الأوصاف يمزح مع ضابط.لذلك تناول القبعة الزرقاء ,التي كان قد وضعها على المكتب, واستعدّ للخروج من مكتبه قائلاً:

– لقد أحسنت التّصرّف بإخبارنا. إنهما مجرمان.. وسينالان عقابهما الصارم.

قال نبيه:

– ولكن أخشى أن يصاب الولد المخطوف بسوء, قبل أن تعثروا على مكانه .

أجاب الضابط:

– لا سيكون بأمان..لاتقلق.فهذا واجبنا.

أما فوفي..فقد كانت تقف قريبًا من باب الغرفة رقم 9  بانتظار وصول نبيه ومن معه..وعندما تأخّر حضوره بدأت تشعر بالقلق.

– أرجو أن لا يتأخّر نبيه أكثر من ذلك .

وراحت تمشي تارة..وتطير قرب باب الغرفة تارة أخرى,وبينما هي كذلك وإذا بصراخ ينبعث من الغرفة:

– ((لا لا … أرجوكم… آه…)).

ارتعبت فوفي,وبسرعة وجدت لها زاوية تختبيء فيها..وراحت تفكّر مرعوبة:

– ((أيعقل أن قام المجرمان بقتل الرجل ؟)).

وفي هذه الأثناء خرج أحد الرجلين,ليطلّ برأسه, بعد أن أحسّ أن صوتاً عالياً انبعث من الغرفة,وليتبيّن ويتأكّد من خلوّ المكان .نظر يميناّ..ثم يساراً,مستعرضاً الممرّ من جانبيه..وعندما اطمئن من أنّ لاأحداً سمع الصراخ الذي انبعث للتوّ ..رجع إلى الغرفة, وأغلق الباب.

تنفسّت فوفي الصعداء..وقالت :

– ترى مالذي جعل نبيه يتأخر هكذا!!؟.

استلّ الرجل الأشيب المسدس من حزام بنطلونه,وقال موجّهاً كلامه للرجل العابس:

– لا تقلق.. لا أظنّ أنّ أحدًا قد سمعنا، كان عليك أن تكون أكثر حذرًا .

ثم اقترب من رشيد, ليتناول الحقيبة التي ضمّها بشدّة إلى صدره,بحيث إنها صارت جزءاً لايتجزأ من جسمه..وصار يجرّها منه عنوة,وهو يزمجر بوجه( رشيد) ..بكلمات تخرج من بين أسنانه المصطكّة:

– والآن.. لا تحاول المقاومة من جديد. سنعدّ المبلغ يعني سنعدّه.. هل فهمت ؟.

دفع رشيد الرجل بكتفه ..ونجح بالتحرّر من بين يديه القويّتين.ثم وقف جانباً, وفتح الحقيبة قليلاً..وعندما بانت الدولارات من بين ردفتي الحقيبة ,قال مطمئناً الرجلين:

– مئة ألف دولار بالتّمام والكمال… سلّماني ولدي تستلما المبلغ .

ثم أعاد غلقها بعد أن لاحظ لعاب الرجلين, الذي سال بمجرّد أنهما لمحا المال ..قال الأشيب لصاحبه ,وهو يشير بحركة من رأسه إلى الحقيبة ,التي انتهى رشيد من غلقها للتوّ:

– اسمع ياصاحبي… خذ منه الحقيبة لتتأكّد بنفسك.

وماكان من الرجل العابس, إلا أن ركل الحقيبة برجله ركلة قوية,جعلت الحقيبة تسقط من بين يديّ رشيد,وبسرعة خاطفة.. كانت بين يديّ العابس.أما الأشيب فقد وقف إلى جانب رشيد, في محاولة منه لمنعه من استرداد حقيبته..فتح العابس الحقيبة..وراح يتفحّص الدولارات..وهو يفركها بأصابعه..قائلاً:

– إنها نقود حقيقية .

أجابه الأشيب:

– إذن… ابدأ بالعدّ.. بسرعة.

قال رشيد مستسلماً للأمر الواقع:

– لا تتعب نفسك.. المبلغ كامل.. مئة ألف دولار, لا ينقصه دولار واحد .عشر رزم..كلّ رزمة بعشرة آلاف دولار..

وكأنّه لم يسمع شيئاً.. لذلك راح العابس يحسب الرزم ..رزمة رزمة..ورقة ورقة..

ضحك رشيد بسخرية قائلاً:

– هل ستحسب مئة ألف دولار!!. ورقة ورقة؟؟.

نظر إليه العابس وقال:

– ولم لا ؟؟..فمايزال الطريق طويلاً..إنها متعة بالنسبة لي.

 

 

*  *  *

 

                                           بالمرصاد

 

 أخيراً..وبعد أن ملّت فوفي من الانتظار,وصل نبيه ومعه ضابط أمن القطار وشرطيّ ومحصّل التذاكر.كانت فوفي تقف على بعد بضعة أمتار من الغرفة رقم 9 التي يُحتجز فيها رشيد من قبل رجلين مشبوهين.وعندما لمحتهم يقتربون منها شعرت بالارتياح, بعد دقائق طويلة من الانتطار أحسّتها دهراً.لذلك طارت إليهم متلهّفة لتقف على كتف نبيه..ابتسم نبيه إليها قائلاً:

– أعرف أنني تأخّرت عليك يافوفي ,ولكنّ كلّ شيء سيكون على مايرام.فهذا حضرة الضابط معي, وسيقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة.

ثم استدار للضابط وأشار لفوفي قائلاً:

– هذه هي صديقتي فوفي التي حدّثتكم عنها .

اقترب الضابط من فوفي ,وصار يمسّد على ريش ظهرها ..وابتسم قائلاً:

– لقد تشرّفنا بمعرفتك يافوفي. ونشكرك على حسن اهتمامك بهذا الموضوع.

أجابت فوفي:

– عفوًا حضرة الضابط…فأنا من طبعي حبّ الخير ونبذ الشّر .

تلفّت الضابط حواليه حيث يقف المحصل والشرطي..ثم سأل نبيه:

– عفوا..لم أفهم ماقالته فوفي:

ردّ نبيه:

– قالت إنها تحبّ الخير وتنبذ الشر..

ضحك الضابط..ثم قال:

– أحسنت يافوفي..

ثم أشار نبيه بيده للغرفة قائلاً بهمس:

– انظر هناك سيّدي الضابط. تلك هي الغرفة التي حدثتك عنها. رقمها  9 .

قالت فوفي:

–  قبل قليل سمعت صوت استغاثة يصدر منها.. 

استدار نبيه للضابط وقال: 

– يبدو أنّ الرجل بحاجة للمساعدة .

أجابه الضابط:

– لا تقلق.. سنقوم بما يلزم يانبيه..

ثم التفت إلى محصّل التذاكر, وربت على كتفه, وقال وهو يسبقه:

–  والآن.. تعال معي .

بخطوات حذرة,ومن غير ضجيج.. تقدّم الضابط ومحصّل التذاكر نحو الغرفة ..ثم توقّفا قريباً منها.همس الضابط للمحصّل:

– هل فهمت ما ستقوم به ؟.

أومأ المحصل برأسه بنعم.وبعد أن ابتعد الجميع عن باب الغرفة.مدّ المحصل قبضته ليطرق باب الغرفة.عندما سمع الرجلان طرقات الباب.ارتبكا..وصارا ينظران إلى بعضهما..

همس الرجل العابس موجّهاً كلامه للرجل الأشيب:

– لا تفتح .

ثم اقترب الأشيب من رشيد ,وراح يهمس بأذنه ..واضعاً المسدس على جبينه:

– لو تفوّهت بأية كلمة, فلن ترى ابنك إلى الأبد..مفهوم؟؟.

أومأ رشيد برأسه بالموافقة.. بينما استمرّت طرقات الباب..

ثم اقترب الرجل العابس من رشيد, هامساً له بنبرة مهدّدة:

– لن تكون أذكى منّا أبدًا. إن لم نصل إلى زملائنا في الساعة التاسعة من صباح الغد.. فستكون نهاية لولدك .

ومازال الباب يطرق..ولم يكن أمام الرجلين إلا أن يتصرّفا بسرعة.لذلك خبأ الأشيب مسدّسه في حزامه من الخلف.وطلب من رشيد أن يخبّيء الحقيبة تحت السرير..وتوجّه ليفتح الباب ..متظاهراً بأنه كان نائماً..فراح يفتعل التثاؤب..وعندما فتح الباب,كان محصّل التذاكر يقف مبتسماً ..وهو يقول:

– معذرة.. أنا قاطع التذاكر.. هل لي بتذاكركم؟.

تنفّس الأشيب الصعداء..وشعر بالراحة تتسلّل إلى قلبه الخافق بسرعة عالية..وسحب نفساً طويلاً..وقال:

– لحظة واحدة من فضلك ..

التفت إلى صاحبه..الذي أخرج التذاكر من جيب سترته..وناولها للأشيب قائلاً:

– ها هي التذاكر معي ..

حاول المحصّل أن يتبيّن مايحدث داخل الغرفة..وراح يتفحّص وجوه الرجال الثلاثة.كان رشيد يتصبّب عرقاً..والعابس يبدو شاحب الوجه..

تناول المحصل التذاكر..وبآلته الصغيرة قرضها من أطرافها..وقبل أن يسلّمها لهم ..وجّه سؤاله لرشيد, بعد أن لاحظ أنه بحالة غير طبيعية..وقال له:

– هل من خدمة أقدّمها لك ياسيدي؟؟.. يبدو أنّك متعب .

تلعثم رشيد..وراح ينشّف العرق المتصبّب من جبينه ,قائلاً:

– ها… أنا ؟ لا لا… أنا بخير…شكراً.

وضع الرجل الأشيب يده على كتف المحصل, في محاولة منه لإخراجه من الغرفة, وهو يقول له بوجه تعلوه ابتسامة مصطنعة:

– لاتبالي..سيكون بخير..إنه دوار, نتيجة صعوده القطار لأول مرّة..

قبل أن يخرج المحصّل من الغرفة..التفت لرشيد قائلاً:                                                          

– عل أية حال..يوجد طبيب في القطار، إذاشعرت بأية وعكة صحية فلاتتردّد بمراجعته.. ما رأيك أن ترافقني لأدلّك على مكانه ؟.

نظر رشيد إلى الرجل الأشيب ..ثم إلى العابس..وفهم من نظراتهما مايعنيانه..فأجاب متلعثماً:

– في.. ف.. في الحقيقة.. أنا.. أنا..

لكنّ الرجل الأشيب الذي مايزال يقف عند الباب ..أشار للمحصّل بالخروج قائلاً:

– إنه بخير.. وشكرًا لك .. مع السلامة.

خرج المحصّل..وأغلق الأشيب الباب خلفه.ثم اتكأ عليه ليلتقط أنفاسه التي احتبسها ..أما العابس فقد طمأن صاحبه قائلاً:

– كلّ شيء سار على ما يرام .لاتقلق.

لكنّ الأشيب تمتم قائلاً:

– أشكّ في ذلك .

بعد أن خرج المحصّل من الغرفة.استقبله الضابط يسأله:

– ها..ماذا لاحظت؟.

أجاب المحصّل هامساً:

– إن الارتباك والخوف باديان على وجهيهما.. أما الرجل الآخر..فكان واضحًا من تصرّفاته أنّه مهدّد ,إذ  لم ينبس بأية كلمة .

هزّ الضابط رأسه قائلاً:

– توقّعت ذلك .

التفت نبيه إلة فوفي الواقفة على كتفه, وقال لها بصوت منخفض:

–   إنها عصابة.. مثلما توقّعنا يافوفي..وحسناً فعلنا بأن أخبرنا أمن القطار..

أومأت فوفي برأسها وهي ماتزال تشعر بالقلق والخوف..ثم همس الضابط للشرطيّ الواقف إلى جانبه قائلاً:

– اسمع ياأحمد.. ستبقى هنا لتراقب المكان من بعيد,من غير أن يحسّ بك أحد ..واضح؟.

أدّى الشرطي التحيّة قائلاً:

– أمرك سيّدي ..

ثم التفت الضابط إلى المحصّل وقال له:

– أمّا أنت ياحضرة المحصّل.. فأرجو أن تساعدنا مع زملائك في نقل الرّكّاب الموجودين في  الغرفتين 8 و 10 إلى مكان آخر.. من غير أن تحدث أية ضجّة ..

أجابه المحصّل:

– ربع ساعة بالكثير… وسيكون كلّ شيء مثلما طلبت …

ثم ترك الضابط المكان يتبعه المحصّل.ووقف نبيه حائراً ماذا يفعل..هل انتهت مهمّته إلى هذا الحدّ؟ هل يعود إلى غرفته ..أم ماذا؟..التفت إلى فوفي وقال لها وهو يمسّد على ريشها :

– أرأيت؟؟ لم يقدّروا العمل الكبير الذي قمنا به..كنت أعتقد أننّي سأكون البطل المنقذ ..ولكن ..مع الأسف..لم..

– ((أمازلت تقف هنا؟.لماذا لم تتبعني؟)).

التفت نبيه ليتبيّن مصدر الصوت..وإذا به الضابط يعود إليه, بعد أن لاحظ أنه مايزال واقفاً في مكانه..أحسّ نبيه بالارتياح, بعد أن سمع من الضابط ماسمعه..وابتسم قائلاً:

– آسف .

ثمّ تبع الضابط إلى مكتبه, ومعه فوفي..

أما في الغرفة رقم 9 فيبدو أن الأمور بدأت تأخذ منحى آخر,بعد أن بدأت الشكوك تراود الرجل الأشيب, وبعد الزيارة التي فاجأهم بها محصّل التذاكر,بحجّة الاطّلاع على التذاكر,في حين أنّ الرجل العابس كانت الأمور تبدو طبيعية بالنسبة إليه.

جلس الأشيب إلى جانب العابس.وراح يداعب شعر ذقنه النابت قليلاً..وهو يتمتم بصوت منخفض:

– لقد بدأت أشكّ بأمر قاطع التذاكر هذا, نظراته كانت مريبة، كأنه قد أرسل إلينا عمدًا.

لاحظ رشيد أن أمر الرجلين بدأ يثير القلق..فلقد تركاه وراحا يتهامسان, بعد أن كانت الحقيبة التي كان يحتضنها شغلهما الشاغل.فسألهما:

– بماذا تتهامسان؟.

التفت إليه العابس ..وقال له :

– هسسس..دعك وشأنك.

وراحا يكملان حديثهما الهامس..أما رشيد فكان يتشاور مع نفسه بأمور وأفكار كثيرة..

– (( بدأت أشكّ في صدق وعدهما لي.. يبدوان جشعين وطمّاعين لدرجة كبيرة، كنت مخطئاً من البداية عندما صدّقت بهما..ملامحما وسماتهما  تدلّ  على جرمهما.. وأعتقد  أننّي سأخسر المئة ألف دولار دون أن أحظى بلقاء ابني سعد,كيف سأتصرف ياترى؟؟عليّ أن أسايرهما حتى النهاية).

على السرير المقابل..كان يجلس الأشيب إلى جانب العابس, وهما يدبّران المكائد..ويخطّطان لمؤامرة..همس العابس في أذن صاحبه:

–  هل تقصد أننا نقتسم المبلغ فيما بيننا نحن الاثنين فقط ؟.

هزّ الأشيب رأسه بنعم..ثم أردف قائلاً:                                          

– ستكون حصّة كلّ مناخمسين ألف دولار، وهو أكبر بكثير مما وعدنا به الريّس مردان .

أجاب العابس:

-نعم .كان قد وعدنا مردان أن تكون حصّة كلّ منا عشرة آلاف دولار فقط..

استأنف الأشيب:

– في حين أننا نحن من قام بكلّ شيء..وعرّضنا أنفسنا للمخاطرة والهلاك..

اقترب العابس من الأشيب ليهمس له:

– ولكنّ مردان هذا صعب..وخبيث..وأخشى أن يمسّنا بمكروه..حينها لن تنفعنا كلّ هذه الأموال..

وخز الأشيب صاحبه قائلاً:

– لاعليك..سنختفي عن أنظاره.ولن يعثر علينا أبداً ..وحتى لونجح في ذلك ..فستكون قد مضت فترة طويلة, تؤهّلنا لأن نكون أقوياء.. للدرجة التي تمكّننا من مواجهته..

ظلّ العابس يفكّر بما سمعه ..وعندما لاحظ الأشيب تردّده قال:

– لاتكن جباناً..

هزّ العابس رأسه..مابين موافق وغير موافق..

كلّ هذا كان يجري أمام مرأى رشيد..ولكن.. لم يكن يفهم مايدور من حديث بين الرجلين سوى بعض الكلمات ..فكّر مع نفسه..

-(( أظنني كنت مخطئًا بعدم إبلاغي الشرطة حال اتصالهم الهاتفي بي.. ولكن ماذا أفعل ؟ هدّدوني بقتل أغلى ما أملك)).

لاحظ الرجلان أنّ رشيد يرمقهما بنظراته بين الحين والآخر..فسأل العابس صاحبه هامساً:

– وهذا الجالس أمامنا ..مالذي ينتظره؟؟.

ضحك الأشيب بخلسة ضحكة خبيثة.قائلاً:

– ينتظره السعد..

بادله العابس بضحكة خفيفة..وقال:

– هل سنسلّمه ابنه؟.

وخزه الأشيب قائلاً:

– يارقيق..ياصاحب القلب الكبير..أتريد أن تفضحنا؟؟.

ابتلع العابس ريقه ..وسأل ببلادة:

– ماذا تقصد؟.

أجاب الأشيب:

– وماشأننا نحن بعد أن تكون الأموال في حوزتنا؟.

ابتسم العابس من جديد..وهو يمنّي نفسه بثروة طائلة ,ستكون ملكه خلال ساعات قليلة.

ثم تبادرت إلى أسماع الرجل الأشيب تأفأفات رشيد ..فقرّب فمه من أذن صاحبه ليهمس له:

– سنقيّده، ثم نضربه على رأسه بالمسدّس، عندها سيفقد وعيه، فنأخذ الحقيبة منه ونهرب.

هذه الفكرة لم تعجب العابس..فاستعدل قليلاً في جلسته ,وقال هامساً للأشيب:

-كلا..بل علينا أن نقتسم المبلغ قبل هربنا .

أدرك الأشيب أنّ صاحبه  هذا بدأ يشكّ بكلامه..ورغم هذا قال له:

– وهو كذلك . مثلما تريد.


                   بانتظار اللّحظة الحاسمة

 

 

 

 

 

في غرفة أمن القطار كان نبيه وفوفي يجلسان إلى جانب الضابط,وقد شعرا بالارتياح ..وأحسّا بالطمأنينة .بعد أن صار الضابط يحسب لهما حساباً في هذه العملية.وهذا يدلّ على الثقة التي منحهما إياها.قال نبيه مبتسماً:

– أتعرف ياعمي الضابط!!.أن مايجري الآن كأنّه فيلم سينمائي..

ضحك الضابط الذي راح يداعب قلماً تناوله من على المكتب الذي يجلس إليه..قائلاً:

– هذا صحيح.. فالموضوعات التي تقوم على أساسها الأفلام السينمائية.ليست بعيدة عن الواقع,وما على الكاتب إلاّ أن يقتبس ما يراه  مناسبًا ,ويقدّمه بأسلوبه وبشكل متناسق وشائق .

قالت فوفي :

–  أتعرف ياحضرة الضابط.. أنّ صديقي نبيه كان يحلم أن يكمل دراسته في كلّية الشرطة ليتخرج  فيها ضابطًا؟ .

ضحك الضابط قائلاً:

– هذا شيء رائع!!..

وأجابه نبيه بنبرة جادّة:

–  وما زالت هذه أمنيتي.. وسأجدّ وأجتهد في سبيل تحقيقها.

ثم سادت لحظات من الصمت..بعدها وجد نبيه فرصته ليوجّه سؤاله للضابط الشاب:

– عفواً ياحضرة الضابط..لماذا لم تلقوا القبض على المجرمين..وننتهي من الأمر..بدل هذا الانتظار؟؟..

ابتسم الضابط وأجاب:

– لا ..سنؤجّل ذلك ريثما تحين الفرصة المناسبة. لأنّنا لو فعلنا ذلك قد نحدث جلبة تتثير القلق لدى المسافرين..إننا نحاول أن نتصرّف بأقصى مايمكن من الهدوء.وقد لانحتاج للقبض عليهم قبل أن يصل القطار إلى المحطة الأخيرة لتوقفه.

هزّ نبيه رأسه مستحسناً ماسمعه .بعد أن أدرك مايعنيه الضابط.

وفي جانب آخر من القطار..بالتحديد في الغرفة رقم 9 ..كانت هناك مؤامرات ومخطّطات.. تحاك ضدّ رشيد.الرجل الذي اختطفت العصابة ابنه..وهدّدته بقتله..أو دفع مبلغ مئة ألف دولار مقابل حياته..ففضل الحلّ الثاني ..وهاهو ينتظر لقاء ابنه ليسلّم المبلغ للمختطفين..طبعاً هذه الأفكار من وجهة نظره هو..ولكن, بماذا كان يفكّر الرجل الأشيب, أحد أفراد هذه العصابة؟وماذا كان يدور في ذهن الرجل العابس, العضو الآخر في هذه العصابة؟؟.

الوقت تجاوز انتصاف الليل..ورشيد مايزال صاحياً..لم يغمض له جفن,منذ أن اتصل به شخص يهدّده بقتل ابنه , في محاولة لابتزاز رشيد..الرجل الثريّ. الذي يملك شركة فخمة للمقاولات..وهاهو يمنّي نفسه بلقاء ابنه في قرية المروج حيث يحتجز هناك.. بعد أن يصطحب معه المبلغ المطلوب..هكذا أفهموه….ترى هل ستفي العصابة بوعدها هذا؟..كانت الحقيبة ماتزال تحت السرير, منذ أن خبأها بنفسه ,عندما دخل غرفتهم محصّل التذاكر..وراح يتحسّسها بقدميه بين الفينة والأخرى..اقترب الرجل الأشيب من زميله العابس وسأله بهمس..كي لايثير انتباه رشيد :

– ألم يحن موعد تنفيذ خطّتنا ؟.

ألقى العابس بنظرة خاطفة إلى رشيد..وبعدها أجاب:

– ليس قبل أن نعرف متى سيصل القطار إلى أقرب محطة .

رد الأشيب:

– لم يبق الكثير أمامنا..

ثم تبادلا نظرات مريبة..وبإشارات أكثر ريبة ,فهم كلّ منهما مايعنيه صاحبه..إذ بلحظة خاطفة نجح العابس بإخلااج منديل من جيبه ليغلق به فم رشيد..وراح الأشيب يقيد يديه من الخلف بحزامه .عبثا حاول رشيد الصراخ..إذ إن كل شيء صار بلحظة.بعد أن كانت كل قواه قد خارت..قال العابس بخبث:

– هذا المنديل سيريحك كثيرا ً.

وردّ الأشيب وهو يربط يدي رشيد بشدّة:

– وهذا الحزام سنشدّ به يديك المتشنّجتين من أثر احتضان الحقيبة لفترة طويلة.

وبعد أن انتهى الرجلان من إحكام السيطرة تماماً على رشيد..نظر الرجل الأشيب إلى زميله العابس ..وقال له:

– والان .اخرج لتلقي نظرة في الخارج..ولتعرف متى سنصل إلى المحطة القادمة بالضبط.

– حاضر.

قالها الرجل العابس وهو يهمّ بالخروج من الغرفة.وفيي غرفة أخرى كان الوضع مختلفاً تمامًا.وبالتحديد في غرفة الأمن,حيث كان نبيه يجلس مع فوفي برفقة ضابط الأمن,الذي راح يقرّب إليه جهازه اللاسلكي ,ويستمع إلى الصوت المنبعث من خلاله:

–  ((سيّدي بلّغت أمرك بإغلاق جميع أبواب القطار.. وقد نفّذ الأمر)).

أجاب الضابط وهو يقرّب فمه من الجهاز أكثر من ذي قبل:

– (( لن نفتح الأبواب إلاّ عند وصول القطار إلى المحطة القادمة بعد عشر قائق )).

ردّ المتحدّث من خلال الجهاز اللاّسلكي:

– ((مفهوم ياسيدي)) …

ثم سأل الضابط:

– (( وماذا عن الغرفتين 8 و10..)

أجاب المتحدّث من خلال الجهاز الأسلكي:

-فعلنا مثلما أمرت..ووضعنا شرطياً في كل منهما.

– انتهى…

قالها الضابط ..وهو ينهي اتصاله مع المتحدّث.ليبادل نبيه ابتسامته.حينما خاطبه قائلاً:

– لم أكن أتوقّع أن تكون التدابير والاحتياطات بهذا الشكل .

ويبدو أنّ فوفي قد اعتادت على المكان وأصحابه,إذ طارت لتحطّ على مكتب الضابط.وبعد أن رمقه االأخير بنظرة وابتسامة.قال:

– حفظ الأمن يا نبيه أصعب بكثير من إثارة الشغب.

قالت فوفي:

– بارك الله في جهودكم الخيّرة يا رجال الشرطة الأبطال .

ضحك الضابط..وراح يداعب ريش الببغاء العجيبة هذه..قائلاً:

– شكراً..شكراً يافوفي.

*  *  *

في ممرّات القطار وردهاته الفارغة..كانت خطوات العابس تشقّ صمت المكان ,و هدير محركات القطار وصوته الرتيب, غطّى على وحشة الليل.وهذا ماجعله يقول لنفسه:

– السكون مخيف.. لاصوت سوى صوت عجلات القطار، الكلّ غارق في نوم عميق ستكون الفرصة مناسبة لتنفيذ خطّتنا..

كان يمشي حذراً باحثاً بين العربات عن شخص يصادفه أمامه, ليسأله عن موعد توقّف القطار في محطته القادمة..ولكنه ,وعندما اجتاز عربتين,ولم يجد أحداً .فسّر هذا لنفسه أنّ الوقت مايزال مبكّراً لتوقّف القطار.إذ لم يرَ أحداً يتهيّأ للنزول,ففضّل الرجوع إلى غرفته,وتحيّن فرصة أخرى..

رجع إلى العربة التي تحوي غرفتهم..وهو ينظر من خلال النوافذ المتوزّعة على الجانب الأيسر منه..حيث حلكة الليل الدامس, حالت دون أن يرى شيئاً..وفي هذه الأثناء..ارتطم بجسم ما..جفل, والتفت ليرى محصّل التذاكر أمامه..ارتعب وأحسّ بالفزع يتسلّل إلى كلّ ماكان من جسمه. ابتسم المحصّل قائلاً:

– هل من خدمة ياسيدي؟ …

قال العابس متنفّساً بصعوبة:

لقد أرعبتني يارجل.

أجاب المحصّل:

– آسف لم أكن أقصد إجفالك.. ولكنّني رأيتك تتلفّت حائرًا..

استدرك الرجل العابس الأمر بسرعة.إذ سأل المحصّل:

– نعم.. أردت أن أسأل متى سيتوقّف القطار في المحطة القادمة؟ ..

أجاب المحصّل:

– المحطّة القادمة هي قرية مروج..وسنصلها بعد أقلّ من عشر دقائق .

– شكراً..

وفي الحال عاد ليبلّغ صاحبه الأشيب, الذي ينتظر في الغرفة. بينما راح المحصّل إلى حيث خطّط له الضابط.

عندما دخل العابس غرفته.صعق بمفاجأة لم تخطر على باله أبداً.ولم يحسب لها أيّ حساب :

– ياويلي!!..ماهذا؟!..لقد فعلها الوغد.

كان رشيد ملقىً على الأرض ..ويبدو أنّه قد فقد وعيه. نتيجة ضربة عنيفة على رأسه..نظر العابس تحت السرير..وعرف أنّ صاحبه قد غدر به, وفرّ بالحقيبة وحده. شدّ بقبضته متوعّداً صاحبه قائلاً:

– لن تفلت مني ياوغد.

ثمّ نهض ليلحق بصاحبه قبل أن يفرّ بالحقيبة.ولكنّه فوجيء بالشرطة تقتحم غرفته, يتقدّمها ضابط الأمن ,شاهراً مسدّسه بوجه الرجل..

– أنتما الاثنان لن تفلتا من قبضتي..

ارتعب العابس من المنظر ..ولم يكن أمامه إلا أن يرفع يديه إلى الأعلى, حفاظاً على حياته..وتمتم قائلاً:

– ياإلهي!!. انتهى كلّ شيء…

وتقدّم منه أحد أفراد الشرطة ليضع القيود في يديه..اصفرّ لونه, وشحب وجهه خلال لحظة واحدة.ولايدري مايقول.زمجربوجهه الضابط:

– ما يزال صاحبك في القطار، وسنمسك به بالتأكيد. وعندها ستنالان عقابكما الصارم.

وكالذي يهذي قال العابس:

– هو الذي خطّط ودبّر كلّ شيء، وفرّ بالحقيبة . أمسكوه هو أولاً .

ثم اقتيد إلى خارج الغرفة.وجلس الضابط على ركبتيه, ليتفحّص رأس رشيد المغمى عليه.ثمّ التفت إلى الشرطي وراءه قائلاً:

– يبدو أنه ضُرب على رأسه ضربةً قويةً.. استدع الطبيب حالاً ..

– حاضر سيّدي..

قرب غرفة الأمن كان نبيه يقف مع فوفي بانتظار قدوم الضابط.بعد أن علما أن الشرطة ألقت القبض على أحد الرجلين ,بينما لاذ الثاني بالفرار.وشاهدا وجه الرجل المقبوض عليه, عندما كان الشرطي يودعه في سجن القطار.هذه أول مرة يشاهد فيها نبيه مجرماً يُقتاد أمام ناظريه للسجن.كان منظراً مرعباً بالنسبة إليه.

قالت فوفي بخوف:

– أنا خائفة يا نبيه.. فالمجرم ما يزال حرًّا.. أخشى أن يصيبنا بمكروه .

أجابها نبيه مشجّعاً:

– تحلّي بالشجاعة يافوفي.. فإذا كان هناك من يشعر بالخوف فعلاً فهو المجرم نفسه .

تلفتّت فوفي يميناً ويساراً..ثم قالت مرتعشة:

– أفضّل أن لا نرجع إلى غرفتنا..أخشى أن يداهمنا المجرم ويقتحم الغرفة.

أجابها نبيه:

– سننتظر قدوم الضابط ليرشدنا إلى مانفعله.

وبعد دقائق قليلة كان الضابط في غرفته..وأمامه يقف نبيه وعلى كتفه فوفي..

قال الضابط محاولاً أن يطمئن نبيه وفوفي:

– لا تقلقا.. سنمسك به ، وسنحتاج إلى مساعدتكما طبعًا .

قال نبيه منتشياٍ:

–  هذا يسرّنا كثيرًا..

 ثمّ أراد أن يوجّه للضابط سؤالاً,لكنه خشي من زعل الضابط.أو أن يحسبها تدخّلاً في عمله,وحينما أحسّ الضابط أنّ لدى نبيه كلاماً, طلب منه أن يصارحه بما يجول بخاطره.وبعد إلحاح الضابط سأل نبيه:

– لاأدري ماذا كانت تفعل الشرطة في الغرفتين 8 و10.كنت متوقعاً أنهما يراقبان المجرمين عن كثب. منتهزين فرصة المسافة القريبة التي تقصلهما عنهما.ولايدعون مجالاً لهرب أيّ منهما.

ابتسم الضابط ونهض ليقف إلى جانب نبيه قائلاً:

– معك حقّ يانبيه.وهذا ماخطر ببالي ساعتها .لذلك وبعد التحرّي.. ثبت أنّ الرجل قد هرب قبل أن يدخل أفرادنا إلى الغرفتين.حتى إنهم استغربوا الهدوء الذي كان يخيّم على الغرفة.

 اقتربت فوفي من ضابط  الشرطة.وقالت له:                                                

– لقد رأيت الرجل الهارب عن كثب.. وأستطيع أن أميّزه من بين ألف رجل، لأنّ له ملامح لا يمكن أن أنساها أبدًا .

أجابها الضابط:

– شكراً يا فوفي ,ولا تنسي أن موظّف التذاكر هو  الآخر رآهما عن قرب, ولفترة ليست قصيرة.

وهنا انتبه نبيه لشيء مهمّ.فاقترب هو الآخر ليكون إلى جانب الضابط.وقال له:

– حضرة الضابط. أرجو أن لا تنسى أن الولد المخطوف في خطر. وخصوصاً إذا عرفت العصابة أنّ أحد أفرادها قد ألقي القبض عليه.

هزّ الضابط رأسه بالنفي قائلاً:

– لا يمكن للعصابة أن تعرف ما حصل لأحد أفرادها.. لأنّ المجرم الثاني لن يستطيع الخروج من  القطار وستتأكّد بنفسك .

ابتسم نبيه على استحياء.وقال:

– أتمنى ذلك.

ثم وضع الضابط يده على كتف نبيه, واصطحبه معه قائلاً:

– والآن تعاليا,لترافقاني لنطمئن على رشيد.

 

                   لامهرب من العدالة



قال الطبيب بعد أن انتهى للتوّ من إجراء الفحوصات اللازمة,وإجراء الإسعافات الأولية لرشيد.موجّهاً كلامه لضابط أمن القطار الذي حضر بنفسه للاطمئنان على صحّة الرجل الذي عانى كثيراً في سبيل إنقاذ حياة ولده المختطف.

– كانت ضربة قوية . ولكن حمدًا لله لم يصب دماغه بأيّ أذى، ومع هذا فإنّ علينا أن نسرع في نقله إلى المستشفى, من أجل زيادة الاطمئنان والتأكّد من عدم وجود أيّ نزف داخلي.

أجاب الضابط وهو يتحسّس جبين رشيد المتصبّب عرقاً :

– بعد دقائق سيتوقّف القطار في محطة المروج، أرجو أن تتولّى شخصياً عملية نقله إلى المستشفى.

اقترب نبيه من رشيد,وراح يتفحّص حرارته..وعندما لاحظ أنها مرتفعة قال للطبيب:

– يبدو أنه محموم..

هزّ الطبيب رأسه قائلاً:

– سيكون على مايرام خلال الدقائق التالية.

ثم ّراح يهذي:

–  سعد ..سعد .ولدي سعد ..

وأردف الطبيب قائلاً:

– إنه في حالة غيبوبة وهذيان.. ولم يكفّ عن ذكرهذا الاسم دقيقة واحدة .

أجاب نبيه وهو ينظر للضابط:

– هذا اسم ولده المخطوف .

وفي هذه الأثناء انبعث صوت من خلال الجهاز اللاسلكي, الذي كان بحوزة الضابط يقول:

– ((سيّدي.. وصلنا إلى قرية مروج.. وسيتوقّف  القطار في المحطة)).

قرّب الضابط الجهاز من فمه..وأجاب المتحدّث:

– حسن.. نفّذوا الأوامر.. ولينتشر رجالنا في المحطّة قبل نزول المسافرين .

سأل المتحدث:

– نعم.هل هناك تعليمات أخرى؟.

أجاب الضابط:

– نعم ..ستبقى أبواب القطار مغلقة إلى حين تبليغ أمن المحطة بالأمر.

أجاب المتحدّث من الجهاز:

– عُلم .

بعد أن انتهى الضابط من تبليغ تعليماته لطاقمه, التفت ناحية الطبيب وخاطبه قائلاً:

– يمكنك أن تستعدّ لإجراء ما يلزم لنقل المصاب إلى المستشفى.. وسيكون برفقتكم أحد رجال الشرطة, ريثما يفيق من غيبوبته .

أجاب الضابط:

– نعم.. وسأتّصل بسيارة إسعاف .

خرج الضابط مسرعاً من عند الطبيب ..يتبعه نبيه وفوفي..التفت الضابط إلى يمينه ,حيث يمشي نبيه مسرعاً, ليستطيع اللّحاق بالضابط ذي الخطوات السريعة.الذي رمق نبيه قائلاً:

– والآن… جاء دوركما أيها البطلان .

أجاب نبيه لاهثاً:

– نحن على أتمّ الاستعداد لأية مساعدة..

وبينما هما في طريقهما.وإذا بشخص يقطع طريقهما..قائلاً:

– أناجاهز ياحضرة الضابط ..

سأل الضابط مستغرباً:

– ومن أنت ؟!.

أجاب الشخص:

– أنا موظّف التذاكر.. هل نسيت اتفاقنا ؟.

ضحك الضابط وهو يقول:

– لم أكن أن أعلم أنّ الحيلة ستنطلي عليّ أيضاً.. لقد أحسنت التنكّر لدرجة كبيرة.

ثم ضحك نبيه..وقال:   

–  لم أعرفك يا عمّي… تنفع أن تكون ممثّلاً ناجحاً..

في هذه الأثناء بدأ القطار بتخفيف سرعته.فطلب الضابط من نبيه وفوفي أن يرافقاه للوقوف قريباً من أحد أبواب القطار القريبة من غرف الأمن,استعداداً للنزول.وعندما توقّف القطار تماماً..واتّخذت التدابير والاحتياطات اللازمة,من غير إحداث أيّ جلبة أو إثارة القلق في نفوس المسافرين.ترجّل كلّ إلى المهمة المكلّف بها.أمّا الضابط فقد اصطحب معه نبيه وصديقته فوفي متوجّهين للبوابة الرئيسية لمحطة مروج.كان الجو معتما..ونسمات الهواء باردة ..والصمت يخيم على أرجاء المحطّة..سوى بعض الجلبة التي كان يحدثها النازلون والصاعدون إلى القطار..وأضواء المحطّة الضعيفة لاتكفي لكشف المكان بشكل جيّد..وقف الضابط برفقة نبيه وفوفي يتفحّصون وجوه المارّة.وفي هذه الأثناء التفت الضابط بعدما سمع تحية أحد أفراد الشرطة:

– سيّدي.. لقد انتشرت قوّتنا في أرجاء المحطة بإمرة ضابط المحطّة، أما رجالنا الذين حواليك فهم بإمرتي.. وأنا جاهز لسماع أمركم .

أجاب الضابط:                                        

– بارك الله فيكم جميعًا.. سنكون على استعداد للقبض عليه, في حالة هربه من أيدي رجالنا في باحة المحطة . طبعاً هذا إن قرّر فعلاً أن يختار هذه المحطّة لينزل فيها.

انصرف رقيب الشرطة.قائلاً:

– نعم سيدي.

سأل نبيه الضابط:

– ولكن.. كيف ستتعرّفون عليه ياحضرة  الضابط ؟.

ضحك الضابط قائلاً:

– أنتما اللّذان ستتعرّفان على شكله.. إنّه دوركما في المشاركة بالقبض عليه .

استعرض نبيه أفراد الشرطة والأمن المنتشرين في أرجاء المحطة..وقال وهو ينظر إلى فوفي:

نبيه  : إذن.. كلّ هؤلاء الرجال من الشرطة بانتظارإشارة من صديقتي فوفي!!..

دهشت فوفي..وقالـت:

– ماذا ؟!.. هذا مستحيل !.

ابتسم الضابط..وأجاب:

– ما يقوله نبيه صحيح.. لأنّك تعرفين المجرم الهارب ورأيته عن قرب، بينما لم يرَ نبيه سوى الشخص  المقبوض عليه .

أخذت فوفي الأمر مأخذ الجدّ.وصارت تحدّق مليّاً بوجوه الخارجين من المحطّة.بعد أن أدركت أنّ ماكُلّفت به من عمل.. لهو مسؤولية كبيرة.وعليها أن تكون أهلاً لهذه المسؤولية.

في هذه الأثناء سمع صوت ينبعث من جهاز اللاسلكي الذي كان يمسكه الضابط,يقول:

– سيّدي.. إن مجموع ما نزل من المسافرين سبعة فقط. ولم يشكّ موظف التذاكر بأيّ منهم .

أجاب الضابط:

– إذن… دعوهم وشأنهم ..

تبادل الضابط ونبيه وفوفي نظرات الاستغراب…فهذا يعني أن المجرم مازال في القطار..سأل نبيه:

– هل يعقل أن يكون بمثل هذا الغباء, وفضّل البقاء في القطار؟.

أجاب الضابط بتعبيرات الوجه أن.. ربما..لكنهم ظلّوا واقفين ,على أمل أن تتأكّد فوفي من وجوه الركاب السبعة, الذين نزلوا في هذه المحطة.

ثم قالت فوفي:

– أو ربمّا أحسّ بالتدابير التي اتخّذت في سبيل إلقاء القبض عليه..فمنح نفسه فرصة البقاء في القطار, ليفكّر بروية..عسى أن يجد له مهرباً .

قال الضابط:

– هذا إذا تأكّد لنا أنه فعلاً ليس من الأشخاص السبعة .

وفي هذه الأثناء توقّفت سيارة الأسعاف قرب بوّابة المحطة ..وخلال وقت قصير تم نقل رشيد إلى المستشفى ليتلقى العناية اللازمة.. وعندما لمح الضابط المسافرين السبعة الذين صاروا يقتربون شيئاً فشيئاً من بوّابة الخروج..أشار لفوفي إليهم ,فعرفت أنّه حان الوقت لبدء مهمّتها.فطارت مبتعدة ..صاح نبيه:

– إلى أين تذهبين يافوفي ؟.

أجابته من الأعلى:

–  لأداء واجبي ..

قال الضابط بصوت منخفض:

– دعها.. فهي أذكى ممّا كنت أتصوّر.

كان ثلاثة مسافرين يسيرون جنباً إلى جنب, حاملين أمتعتهم وحقائبهم.وهم يجرّون  أنفسهم  جرّاً..يبدو أن تعب الرحلة قد أنهك قواهم ..أو أنّ أثر النوم مايزال يترك آثاره على وجوههم المتعبة..فراحوا يتثاءبون ,غير آبهين بما يجري من حولهم..ولكن ..وفجاة..هبطت فوفي بسرعة.لتتفحّص ملامحم عن قرب..صاح أحدهم:

– ما هذا ؟ ماذا يجري اليوم ؟.

فزع المسافرون..بعد أن أدركوا أنّ شيئاً غير اعتيادي  يجري من حولهم.

قال مسافر آخر:

– الشرطة في كلّ مكان ! يبدو أن الأمر خطير.

وما لبث أن انتهى من عبارته..حتى وجد نفسه أمام طير لاتفصله عنه سوى سنتمرات قليلة..صاحت فوفي:

–  من فضلك.. أنزل اللثام لأرى وجهك .

ارتعب المسافر وصرخ:

– ياإلهي!!..طير يتكلم !!..وفي الليل!!.

مسافران آخران أرادا أن يهرولا باتجاه البوّابة,بعد أن ظنّا أن خفافيش اللّيل هاجمتهم..لكنّ فوفي تتدارك الأمر, وتسرع إليهما هابطة من الأعلى ,لتكون قريبة من وجهيهما,حيث إنّ عتمة الليل تحول دون الرؤية الواضحة.

تأكّدت فوفي بأنّ المجرم لم يكن واحداً من هؤلاء المسافرين.لكنّها لمحت سيدة تحمل حقيبة,متوجّهة للخروج من البوابة الرئيسية.. وهي مسرعة الخطى..فما كان من فوفي إلا أن تهبط من الأعلى, لتقف على رأس السيدة.بعد أن عرفت أنها آخر الخارجين من المحطة..لتكتشف أنها تقف على شعر مستعار.. صارت السيدة تصرخ.محاولة طرد فوفي من رأسها..:

– أنقذوني ..أنقذوني..

فكان صوتاً أجشّ قبيحاً..إذن شعر مستعار..وصوت قبيح..لذلك قرّرت فوفي شيئاً خطيراً..إذ أمسكت بالشعر, وارتفعت به إلى الأعلى..لتكشف عن  رأس بشعر أشيب ..إنه رجل الذي تنكر بزي امرأة..صاحت فوفي:

– إنه هو.. إنه هم ..أمسكوه..

صاح الأشيب وهو يفر مذعوراً:

– ياويلي…لقد افتضح كلّ شيء .

 وراحت فوفي تنقر رأسه, وتحلّق حواليه.. في محاولة منها لعرقلته عن الهرب. ولأن الشرطة كانت متوزّعة في كلّ مكان..بعضهم يرتدي ملابسه الرسمية.والبعض الآخر متنكّر بملابس عادية.فقد كان صيداً سهلاً بالنسبة لهم..من غير إطلاق أي عيار ناري.فاقتيد مكبول الأيدي إلى ضابط أمن القطار. كان نبيه سعيداً وهو يربت على ظهر فوفي التي وقفت على كتفه لاهثة,بعد المهمّة الصعبة التي أبدتها. قال لها الضابط:

–  أنت شجاعة يافوفي..

ثم التفت إلى نبيه..وقال:

– لقد قبضنا بمساعدتكما على المجرمين..

وقف الرجل الأشيب مقيّد اليدين من الخلف, أمام الضابط ونبيه..ثم ضحك ضحكة خبيثة وهو ينظر لنبيه قائلاً:

– أعترف بشجاعتك أيها الفتى.. لقد كنت أنت وببغاؤك هذه ,السبب في إفشال جميع مخطّطاتي.

أجابه نبيه:

– أرأيت نتيجة أعمالك ومخطّطاتك الدنيئة ؟ سيكون مصيرك السجن …

أشار الضابط شاهراً مسدسه أمام الرجل الأشيب قائلاً بنبرة غاضبة:

– هيا أمامي لتودع في سجن القطار مع زميلك…ريثما نصل إلى المدينة..وعندهاستنالان عقابكما الصارم.

ضحك الأشيب قائلاً:

– السجن..السجن…تعوّدنا عليه..

هزّ الضابط رأسه مستنكراً هذه الحالة ..ثم اقتيد الأشيب من قبل أفراد الأمن إلى القطار..ووضع الضابط يده على ظهر نبيه, يحثّه على العودة إلى القطار..بعد أن أبلى مع صديقته فوفي بلاء حسناً. وقضّى نبيه وفوفي بقية رحلتهما في غرفة الأمن, بصحبة الضابط الذي قدّم لهما شكره وامتنانه, للعمل البطوليّ الذي قاما به..وعندما سأل نبيه عن مصير الولد المخطوف..أجاب الضابط:

– لاتقلق..فسيعود سعد إلى أبيه سالماً معافى..وخصوصاً بعد أن أمسكنا بالمجرمين..الذين سيقوداننا إلى الرجل المخطّط والمدبر ,والذي يحتجز الطفل عنده..كما ادّعيا في أقوالهما.

وسارالقطار بسلام،ووصل إلى المدينة التي يسكنها خال نبيه وعائلته. وقبل أن ينزل نبيه وفوفي في في المحطّة, شكرهما الضابط على كلّ ما أبدياه من مساعدة في منع حدوث جريمة كان من الممكن أن تحدث لولاهما .

قال نبيه:

– تشرّفنا بمعرفتك ياعمّي الضابط .

أجاب الضابط:

– سعادتي أكبر بكما.

وفي المحطّة..كان عدنان بانتظار وصول القطار الذي يقلّ ابن عمته نبيه ..وقد تأخّر عن موعده أكثر من ساعة..وكانت سعادته كبيرة عندما وصل القطار ..ولمح  بين المسافرين  نبيه وصديقته فوفي يتوجّهان إليه.صاح عدنان فاتحاً ذراعيه لاستقبال ابن عمته:

– وأخيرً وصلتما.حمدًا لله على سلامتكما ياصديقيّ العزيزين.لقد قلقت عليكماكثيرًا.

تناول عدنان الحقيبة من نبيه .بعد أن لاحظ أنه منهك, ولايقوى على حملها..بينما راحت فوفي تتطاير فوقهما فرحة..سار عدنان محتضناً ابن عمته ,الذي طال شوقه إليه..بينما سأله نبيه:

– كيف حالك ياعدنان ؟ وكيف حال خالي ؟ إننا مشتاقون لكم كثيرًا ..

أجاب عدنان مبتسماً:

– ليس أكثر منّا.وأنت يافوفي.هل ما زلت مصرّة على مرافقة نبيه في كلّ مكان ؟.

أجابت فوفي:

– لا… يبدو أنّني سأعيد النظر في هذا الموضوع  بعد الذي حصل …

نظر عدنان إلى نبيه مستغرباً..وسأله:

– ما الذي حصل معكما يانبيه ؟.

قبل أن يجيب نبيه ..قالت فوفي:

– كنا بطلين لفلم سينمائي .

ازدادت حيرة عدنلن..لكن نبيه وضع ذراعه على ظهر ابن عمته..مبتعدين عن المكان ..وهو يقول:

– قصةطويلة..لن نحكيها لك قبل أن تدلّنا على أقرب سرير لنغطّ في نوم عميق..

وهكذا..كانت رحلة صديقينا نبيه وفوفي.. رحلة متعبة،وصعبة، وشاقّة.. لكنها بالتأكيدكانت ممتعة بالنسبة لكم أيها القراء الأعزاء.لأنها مليئة بالمغامرات الشائقة،وستكون كذلك بالنسبة لصديقينا عندما يستذكرانها مستقبلاً….

                                                                                           [     تمت     ]

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *