قصة كتابة هذه الرواية ..قصة غريبة وفريدة، حيث تم الاتفاق باديء الأمر مع اللأديب الراحل محمد شمسي على أن يقوم بكتابة رواية من جزءين ..وفعلا قدم الراحل جزءه الأول، وقامت دار النشر بنشره، على أمل أن يقدم الكاتب جزأه الثاني من الرواية خلال أسابيع..لكن الانتظار طال أكثر مما ينبغي، حيث أقعد المرض الراحل الفراش، ومنعه من مواصلة الكتابة، حتى وافاه الأجل ـ وبقي القرّاء بانتظار صدور الجزء الثاني من الرواية ، بعد أن تركهم الراحل متشوقين لما سيحدث .. فتداركت دار النشر الأمر ، واتفقت مع ضرغام فاضل على أن يكتب الجزء الثاني من الروايةـ محافظا على الروحية نفسها ، وعلى الشخصيات نفسها التي كان الراحل قد رسمها في مخيّلته ..وفعلا صدر الجزء الثاني من الرواية ، وهو يحمل اسم كاتب آخر.
الجزء الأول
- تأليف : محمد شمسي
- حين اقترب الزورق الصغير من الساحل، هبط منه ثلاثة رجال ، لم يكن يظهر من ملامحهم شيء ، فالليل وسكون الميناء كانا ستاراً كثيفاً ،سهل لهؤلاء مهمة دخول المدينة ،من دون أن يكتشف أحد من الناس السر الذي وراءهم .
- ويبدو أنهم يقصدون مكاناً معيناً ، فقد راحوا يقطعون الشوارع، متخفين تحت جنح الظلام ، حتى وقفوا أخيراً تحت بناية كبيرة ،وقد اتجهت أنظارهم إلى شقة مضاءة، في الطابق الخامس من البناية .
- وبكلمات قليلة هامسة، اتخذوا قراراً بالصعود إلى الشقة، والبدء بتنفيذ المهمة التي جاءوا من أجلها . لقد وقع الاختيار على ” جورج ” بالصعود ، فهو أبرعهم وأكثرهم خفة ونشاطاً ، وكمن الآخران تحت البناية، يراقبان الموقف من بعيد .
- حين وصل ” جورج ” إلى الطابق الخامس، وأطلّ برأسه من نافذة الشقة ،رأى رجلين جالسين وسط الصالة، وأمامهما خريطة كبيرة، ينظران فيها بإمعان . لقد استطاع ” جورج ” أن يسمع الحديث الذي دار بين الرجلين بشكل واضح .
- شدّ ” جورج ” الحبل جيداً ،ثم ألقى بطرفه الآخر إلى الأسفل، من دون أن يحدث أيّ صوت ، وما هي إلاّ لحظات ،حتى صار الرجال الثلاثة في الشرفة الرئيسية التي تطل على الصالة .
- راح الرجال الثلاثة يتحدثون فيما بينهم بالنظرات ،وقد وضع كل منهم لثاماً على وجهه، بانتظار ما تسفر عنه اللحظات القادمة .
في تلك اللحظة بالذات، انطفأ الضوء داخل الصالة ،وعم الظلام المكان، وساد السكون الشامل .
- لم يجد الثلاثة طريقاً غير اقتحام الشقة ، وإضاءة النور ، لكشف ما جرى أمام أعينهم بتلك السرعة العجيبة. وحين فعلوا ذلك ،وجدوا أحد الرجلين مرمياً على الكرسي، وقد سالت القهوة على ثيابه ،من دون أن يكون هناك أثر لحادث أو جريمة .
بعد جهد ومشقة، استطاع الرجال الثلاثة إيقاظ ذلك الرجل، وإبطال أثر المنوم عليه ، وعند سؤاله والاستفسار منه، أخبرهم بأن الذي سرق الخريطة ومضى هو صديقه ” كارلو “، حيث اتفقا على الشروع بالبحث عن الكنز المخبأ في جزيرة ” ميدا ” في المحيط .
- ماذا يفعل الرجال الثلاثة الآن، وقد فر ” كارلو ” بالخريطة التي كانوا يبحثون عنها منذ زمن طويل ؟
أيتركون الرجل الآخر ليكون دليلاً لرجال الشرطة في القبض عليهم؟ أم يأخذونه معهم رهينة،حتى يتوصلوا ثانية إلى مكانها الجديد؟ .
- في تلك اللحظة، سمعت طرقات خفيفة متتابعة، فقام الرجل ليفتح الباب ، وقبل أن يمد يده، قفز ” جورج ” وأمسك به محاولاً منعه . فقد شك في أن يكون في الأمر مكيدة . وما هي إلا لحظات، حتى ازداد الطرق شدة، ثم اندفع عدد من الرجال إلى داخل الشقة، وقد أفلحوا في دفع الباب وكسر المزلاج .
- لم يجد رجال الشرطة في الشقة غير رجل منطرح على الأرض ، وقد غاب عن الوعي ، ولكنهم ما أن بحثوا في الغرف والأماكن الأخرى، حتى عثروا على حبل مربوط من أحد طرفيه في الشرفة،ويتدلى طرفه الآخر إلى أرض الشارع، فعرفوا كل شيء ..
- في اليوم التالي كان رجال الشرطة يبحثون عن ثلاثة أشخاص، كما وصفهم ” توني ” صاحب الشقة الذي كان مغمى عليه .. وهؤلاء الثلاثة يبحثون عمن فر بالخريطة من أمامهم ومضى .
- الشرطة تبحث عن اللصوص لإلقاء القبض عليهم ، واللصوص يبحثون عن خريطة الكنز ، الذي لا يعرف قيمته ومقداره أحد سواهم .
- بعد أسبوعين من هذه الحادثة، غادر اللصوص الثلاثة جزيرتهم، متجهين إلى الميناء، على نفس الزورق الذي أقلهم في المرة الأولى .. وكعادتهم، كان انطلاقهم في منتصف الليل، وقد علموا بتحرياتهم بأن خريطة الكنز، قد أودعت لدى احد مراكز الشرطة في المدينة .
- كانت خطتهم هذه المرة محكمة جداً ، تدربوا عليها، واستطاعوا التحكم في جميع الاحتمالات ، وها هم الآن يتجهون نحو مركز الشرطة، وفي رؤوسهم تفاصيل الخطة، التي سوف تبدأ بعد قليل .
- في باب المركز، ارتفع الصراخ، واشتبك الرجال الثلاثة فيما بينهم بمعركة طاحنة ، وراح كل منهم يكيل الضرب لصاحبيه، دونما رحمة ولا شفقة .
وما أن سمع الخفير ذلك الصياح، حتى هب من مكانه ليرى ما يحدث جوار مركز الشرطة، وحين اقترب منهم ،هجموا عليه ،محاولين تجريده من سلاحه .
حين تم لهم ذلك ،أخذوا منه مفاتيح الموقف، ورموه داخله، بعد أن أخرجوا منه شاباً ملتحياً كثّ الشعر، كان ملقى هناك، وقد قيد معصماه بالحديد . ثم اندفعوا للبحث عن الخريطة في خزانات المركز .
- في الصباح أصيب رجال الشرطة بالدهشة، وهم يشاهدون صاحبهم ملقى داخل الموقف ،وقد أوثقت يداه في حديد المحبس، وكمم فمه بقميص ممزق .
وبلحظة خمنوا كل شيء . لقد هرب السجين ذو اللحية الكثة، بعد أن خدع صاحبهم وفعل ما فعل .
- حين عرفوا تفاصيل الحكاية من صاحبهم ،واكتشفوا ضياع خريطة الكنز من إحدى خزانات المركز فقدوا صوابهم ، وراحوا يضعون الخطط السريعة، للبحث عن اللصوص والقبض عليهم، ونسوا – وهم في غمرة هيجهم وانفعالهم – ذلك الشاب الموقوف الذي غادر المركز، بعد أن أطلق اللصوص الثلاثة سراحه .
- لم يكن رجال الشرطة قد توصلوا إلى معرفة مكان الكنز ،إذا إنهم لم يكونوا واثقين من فكرة وجوده أصلاً ، ولكنهم بعد حادثة الهجوم على المركز، وسرقة الخريطة، أيقنوا أن في الأمر سراً، وأن قصة الكنز قد تكون حقيقية .
- حينما كان ” كارلو ” وتوني في الشقة يتباحثان في طريقة الوصول إلى الكنز ،أحسا بأن هناك من يراقبهم ، وحين رأى ” كارلو ” جورج وهو يمد رأسه من الشرفة، دبرا تلك الخطة للهرب بالخريطة، فأطفأ النور وغادر ” كارول ” المكان ،بعد أن ترك صديقه نائما،ً كما لو كان قد وضع له مادة منومة في القهوة .. وفي الحقيقة ،لم يكن ” توني ” نائماً ، ولم يكن ثمة شيء في قهوته ، ولما أسرع كارلو بإخبار رجال الشرطة، كان اللصوص الثلاثة قد غادروا المكان بالحبل، الذي ما زال طرفه مربوطاً بعارضة الشرفة .
- هكذا اتفق رجال الشرطة مع ” كارلو ” وتوني على مراقبة جزيرة ” ميدا ” ومباغتة اللصوص، وهم يبحثون عن الكنز هناك ، فكانت دورياتهم وزوارقهم تدور حول الجزيرة، وتراقب كل من ينزل إليها أو يغادرها إلى الميناء .
- مضى أكثر من أسبوع، دون أن يعثروا على اللصوص . لقد شاهدوا عدداً من المغامرين والهواة والسياح الذين يقضون ساعات من المتعة هناك، ولكنهم لم يشاهدوا ما يريبهم ، فكل الذين التقوهم كان وجودهم للنزهة البريئة أو لصيد الأسماك ، ولم تكن معهم أدوات حفر، تجعل رجال الشرطة يشكون في أمرهم .
- وفي أحدى المرات، وبينما كانت دورية الشرطة تقترب من الجزيرة بعد منتصف الليل ،أثار انتباههم ضوء خافت، ينبعث من خلف التلال البعيدة في الجزيرة ، فربطوا زورقهم ،واتجهوا صوب ذلك الضياء.
- كان الأمر مريباً حقاً ، فقد شاهدوا ثلاثة أشباح تتحرك بسرعة، وكأنها مشغولة بنقل التراب، ولكن بيد أحدهم فانوس صغير ، فتحلقوا حولهم، وأخذوا يضيقون حولهم الحصار ، محاولين ألا يفلت أحد من قبضتهم هذه المرة .
أخذ طوق رجال الشرطة يضيق ويضيق ، وقد شهروا أسلحتهم، من دون أن يراهم أحد من اللصوص، الذين بدوا منهمكين في العمل ، وكأنهم أضاعوا شيئاً في التراب ، حتى صاروا على بعد عدة أمتار منهم .
في تلك اللحظة، أصبح من العسير على أحد من الأشباح الثلاثة أن يهرب، أو يبدي مقاومة لفك ذلك الحصار، الذي صار مثل الجدار الفولاذي حولهم .
فما إن صرخ قائد الدورية بوجوههم :
- لا تتحركوا .
حتى جمد الثلاثة في أماكنهم من الرعب .
- وهكذا استطاع رجال الشرطة بعد سماعهم اعتراف ” ريد ” أن يتأكدوا من أن القرصان ربما أعاد رسم الخريطة، ليحتفظ لنفسه بنسخة منها ، ولا بد أنه حين غادر المركز بعد إطلاق سراحه لم يضيع الوقت سدى، بل أسرع إلى مكان الكن، فأخرجه وهرب به بعيداً .
- وفي مركز الشرطة، تم استجواب اللصوص، قبل عرض قضيتهم على المحكمة، لإصدار الحكم بحقهم ، وكانت التهمة الرئيسية، هي الهجوم على مركز الشرطة، والاعتداء على أحد أفرادها، وإطلاق سراح سجين كان معتقلاً في المركز .
- وحين سئلوا عن الكنز، اعترف اللصوص بأنهم لم يجدوا شيئاً، لأن أحداً قد سبقهم إلى مكانه ،واستولى على كل شيء . واعترفوا أيضاً، بأنهم تتبعوا رموز الخريطة تلك الليلة، فوجدوا مكان الكنز خالياً، والتراب ما زال متناثراً على الجوانب .
- راح رجال الشرطة يتحرون مرة أخرى عن سر الكنز المفقود .
من خبأه في جزيرة ” ميدا ” ؟
ومن هو صاحبه الحقيقي ؟
ولماذا يغامر جميع هؤلاء الرجال في البحث عنه ؟
وبدأوا باستجواب ” توني ” .
- راح ” توني ” يشرح لرجال الشرطة كيف التقى بأحد القراصنة في إحدى المقاهي، فقص له هذا القرصان حكاية الكنز .. ” كان ذلك منذ زمن طويل ، كنا سادة البحر ، ما من سفينة تتوغل في قلب المحيط ،حتى نتبعها وننقض عليها، فنسلب كل حمولتها، من بضائع ومتاع وأموال ، كنا نجمع الغنائم، فنقتسم بعضها، ونخبيء الذهب والأموال في جزيرة ” ميدا “.
- يكمل القرصان المخمور حكاية الكنز قائلاً :
” وفي إحدى اماسي الشتاء العاصفة، رحنا نطارد سفينة كبيرة، كنا نعلم أن حمولتها لا تقدر بثمن. وما إن اقتربنا منها، وشاهد حراسها علم القراصنة، حتى انهالت علينا قذائفهم كالمطر، فأصيبت سفينتنا إصابات بالغة ، وقبل أن نحاول اصلاحها وتدراك الأمر، فاجأنا الإعصار، فغرقت السفينة، واستطعت النجاة بمفردي ، بعد أن تعلقت بأحد براميل النبيذ ، وكنت أنا الذي احتفظ بالخريطة .
- حين انتهى ذلك القرصان المخمور من سرد حكايته ،أخرج من جيبه خريطة ممزقة ،ونشرها أمامي، وطلب مني مساعدته بإصلاحها ، فاستطعت أن أرسم نسخة واحتفظ بها لنفسي، قبل أن أضيف سهاماً ورموزاً للخريطة الأصلية، فتضيع معالمها، ويتغير مكان الكنز . ثم أخبرت صديقي ” كارلو ” بالأمر، وتعاهدنا على البحث سوية عن الكنز واقتسامه معاً .
- ثم عرفت بعد ذلك، أن القرصان حين صحا من سكره ، واكتشف ما حل بخريطته، أرعد وأزبد ،لكنه في اليوم التالي، لم يتذكر الرجل الذي أفسد خريطته ليقتص منه ، وهكذا عر ف الجميع في الحانة، حكاية الكنز المفقود، من دون أن يعرفوا أني أنا الوحيد الذي أملك الخريطة الصحيحة، التي تقود إلى مخبئه .
- وراح رجال الشرطة يستجوبون اللصوص الثلاثة .
فقال ” جورج ” وهو الذي تسلق البناية صاعداً إلى الشقة في الطابق الخامس أولاً .
- لقد كنت في الحانة تلك الليلة، وأذكر أنني رأيت القرصان يتحدث إلى ” توني ” بأمر لم يكن يعنيني منه شيء ، ورأيته يخرج ورقة ممزقة من جيبه، وينشرها أمامه على المائدة .
وحين سمعت القرصان في اليوم الثاني يصرخ، متوعداً ذلك الذي أفسد خريطته، عرفت كل شيء، فقررت أن أحصل على الخريطة مهما كلف الأمر .
- اعترف اللصان الاخران ،بأنهما لم يعلما شيئاً عن الكنز ،غير الذي سمعاه من صديقهما ” جورج ” ، وأنه أخبرهما بالأمر، فاتفقوا على سرقة الخريطة الجديدة، والبحث عن الكنز المفقود، واقتسامه فيما بينهم .
احتار رجال الشرطة بالأمر ، ترى من الذي استطاع العثور على الكنز والهرب به ؟
بدأوا بالبحث عن القرصان .. لكن أحداً لم يعرف اسمه ومكان اقامته . وحين شددوا في طلبه والتحري عنه، علموا أنه غادر الميناء إلى جهة مجهولة، وأنه ترك غرفته القذرة منذ مدة .
- راقبوا ” توني ” و ” كارلو ” وفتشوا بيتهما بدقة ،كما فتشوا بيوت اللصوص الثلاثة ، ولكن ليس هناك من أثر للكنز .
وفجأة، تذكروا ذلك الشاب الملتحي كثيف الشعر، الذي كان موقوفاً في المركز، بسبب سكره الشديد ،وقذف قنينة فارغة على الشرطة .
- كانت هذه الأسئلة المحيرة بلا إجابة ،وفجأة تذكر العريف ” ريد ” شيئاً ،لقد كان تلك الليلة – قبل هجوم اللصوص الثلاثة على المركز بيومين خفيراً . وكان يتجاذب أطراف الحديث مع الشاب السجين ،حين أخبره هذا بأن الخريطة التي لديهم ليست خريطة الكنز، بل هي خطة محكمة، لهجوم اللصوص على مصرف المدينة . وأنه يستطيع بسهولة أن يشرح له تفاصيل الخطة .
- وراح السجين يحكي للعريف ” ريد ” حكاية وهمية ،عن تحرك اللصوص والهجوم على الخريطة، وبينما هو يخترع هذه القصة، سأله أن يأتي له بشيء يأكله، فقد أمضه الجوع .
- رق له قلب العريف ” ريد “، فما دام هو خلف القضبان ،فما الذي يمنع من مساعدته، والإتيان له بشيء يأكله ؟
وما إن جلب له قطعة كبيرة من الخبز ،وقدحاً من العصير ، حتى أعاد السجين الخريطة قائلاً له: خذها . إنها خارطة كنز حقيقي، وانس كل الذي أخبرتك عنه، فإنني أمزح معك .
بعدها خجل ” ريد ” من ذكر تلك القصة إلى مسؤوليه حتى لا يسخروا منه، ولكي لا يلوموه على فعلته .
- هكذا استطاع رجال الشرطة، إلقاء القبض على اللصوص دونما مقاومة . وقبل أن ينتقلوا بهم وهم مقيدون بالسلاسل إلى الزورق، الذي تركوه على الساحل، أضاءوا مصابيحهم ،وراحوا يفتشون المكان، شبراً شبراً، بحثاً عن الكنز .
لكنهم لم يجدوا غير أدوات الحفر، وخريطة الكنز مرمية على التراب بإهمال .
- اتجه بحث رجال الشرطة بعد ذلك إلى القرصان ، وراحوا يتعقبون أخباره في كل مكان ، فكانوا يتنكرون بأزياء البحارة والجنود والعمال، علهم يمسكون بخيط يقودهم إليه .
ظلوا على تلك الحال عدة أسابيع، دونما نتيجة ، فكلما سمعوا حكاية تدلهم عليه، وجدوا أنفسهم في متاهة، لا أول لها ولا آخر .
- كان الرجل كما سمعوا عنه قريب الشبه بالقرصان، نفس الطول، ونفس الشبه، ونفس البنية . ولكن ملامحه تختلف بعض الشيء عن ملامح القرصان . فاعتقدوا أنه ربما أجرى على هيأته بعض التغيي،ر لكي يخفي ملامحه الأصلية . وكانت الخطة تستدعي الانتظار حتى خروجه من الحانة .
- قبل الفجر بساعة أو ساعتين ،انتهت حفلتهم الصاخبة، وبدأ رواد الحانة يغادرونها واحداً واحداً . وفي اللحظة التي غادرها القرصان مع أحد أصدقائه، تبعه رجال الشرطة بملابسهم المدنية، من دون أن يلحظ هو ذلك .
- ما إن خطا خطوته الأخيرة داخل شقته ، وقبل أن يلتفت ليغلق الباب خلفه، وخلف صاحبه الذي كان معه، كان رجال الشرطة قد دخلوا وهم يشهرون أسلحتهم، من دون أن يتركوا لهما فرصة للدفاع أو المقاومة . فقد أذهلتهما المفاجأة، وتركتهما جامدين غير قادرين على فعل أي شيء .
- كان لا بد من معرفة هويته، والتأكد من شخصيته الحقيقية . وبعد الاستجواب السريع، ومحاولة إزالة اللمسات، التي حاول من خلالها القرصان التموية على رجال الشرطة بالتنكر ، أصيب هؤلاء بخيبة أمل كبيرة ، فالرجل لا غبار على شخصيته، ولا أثر للمكياج على ملامحه ، لقد كشف أوراقه كلها ، وكانت أوراقاً رسمية ، فقد باع سفينته قبل فترة قصيرة ،وجاء إلى الميناء هو وأصحابه بالمال الكثير، الذي كسبوه من البيع .
- لم يجد رجال الشرطة غير الاعتذار الشديد للرجل ،ومغادرة الشقة وهم خائبون . نادمون على تسرعهم في الأمر ، ولكنهم الآن قد أمسكوا بخيط جديد، ربما سيقودهم إلى الرجل الذي سرق الكنز .
فقد عرفوا أن صاحب السفينة الجديد، غادر الميناء بنفس اليوم ،ومعه نصف البحارة، بعد أن أغراهم بمرتبات كبيرة ،ومشاريع مربحة ،وأخذهم معه ليرسوا على إحدى الجزر القريبة المهجورة .
- جمع رجال الشرطة معلومات كافية عن مالك السفينة الجديد، وقلبوا الأمر على جميع الوجوه، فتأكدت شكوكهم فيه .
ثم غادروا الميناء بقوة كافية، لمواجهة أي طاريء، أو مفاجأة غير محسوبة، قد تقابلهم هناك في تلك الجزيرة المهجورة .
- رست سفينة الشرطة على شاطيء تلك الجزيرة صباحاً، ولم يكن الأمر يثير الشكوك والاستغراب ، فلا السفينة القديمة تمحل علماً رسمياً ،ولا الرجال الذين كانوا على ظهرها يبدو عليهم أنهم مرسلون من قبل الحكومة . بل كانت مجرد سفينة صيد قديمة ، والذين فوقها صيادون متعبون، أجهدهم العمل المتواصل ، ولكن ثمة سراً كبيراً في عنبر السفينة، لم يكن أحد يعرف عنه شيئاً .
- اقترب اثنان من رجال الشرطة، وهما بملابسهما المهترئة – كان العريف ” ريد ” أحدهما – وصعدا سلم السفينة الكبيرة ،وطلبا شيئاً من الماء بحجة نفاده لديهم ، وكانا أثناء ذلك يحاولان اكتشاف ما يؤكد شكوكهم ، وبعد أن حصلا على الماء، طلبا مقابلة القبطان ، فسألهما الرجل عما يريدانه بالضبط .
أجاب العريف ” ريد ” : نحن نبحث عن عمل ، فمنذ أسبوع لم نصطد شيئاً نرسله إلى عوائلنا .. تلك سفينتنا وباقي أصحابنا .
- ذهب البحار مسرعاً، لإخبار صاحب السفينة بالأمر ،فهم يبحثون منذ مدة، عن بحارة فقراء، يقبلون العمل على ظهر السفينة، من دون أن يسألوا عن نوع العمل الذي سيكلفون به ، وكان البحار قد علم منهما أيضاً، أن أصدقاء لهما في تلك السفينة القديمة، يرغبون بالعمل الثابت ،وبالمورد الثابت.
- خرج القبطان من قمرته، وتقدم نحو الرجلين ببطء ،وصاح فيهما، قبل أن يقترب منهما :
- ماذا تعرفان عن مهنة القراصنة ؟ إن العمل معنا يتطلب جهداً وكفاحاً ومراوغة ، وأنتم صيادو سمك أغبياء وكسالى ، تكدون من الصباح إلى المساء ،من أجل سمكة سلمون صغيرة .. اغربا عن وجهي ، أنا لا أريد سلاحف على ظهر هذه السفينة، بل أريد ضباعاً وثعالبا .
- وقف العريف ” ريد ” وصاحبه – وهما بملابس الصيد المهترئة، وهما ينظران بوجه القرصان، الذي لم يكن يمت بأي وجه شبه إلى السجين ذي اللحية الطويلة، الذي كان معهم في مركز الشرطة، ولكنهما مع ذلك، وجدا فيه صيداً ثميناً ،عليهما إلا يتركاه يعود إلى قمرته، قبل أن يعرفا شيئاً من أسراره .
- في تلك اللحظة ،أثارت ملابس القرصان انتباه العريف ” ريد “، فسأل نفسه : ترى لماذا يلبس معطفاً في ذلك الجو الخانق ؟ ولماذا يضع يده كل لحظة ليتحسس شاربيه الكثيفين الطويلتين ؟
مد العريف ” ريد ” يده محاولاً إيقاف صاحبه ،الذي استدار ليغادر السفينة، بعد سمع القرصان وهو يرفضهما بإصرار ، وبعدما تأكد من أنه ليس الشخص الذي يبحثون عنه .
- ثم تقدم العريف نحو القرصان، فيما وقف صاحبه ينظر إليه باستغراب . وحين اقترب منه كثيراً ،ونظر كل واحد منهما بعيني صاحبه ،عرف كل منهما الآخر . فمد القرصان يده إلى حزامه ليستل سكينه . في تلك اللحظة ،أطلق رجل الشرطة البعيد رصاصة من مسدسه ،أصابت القرصان في يده .
- في تلك اللحظة.. لم ينتبه أحد كيف اختفى القرصان من السفينة . فقد أصيب برصاصة في ذراعه . ولم يعثروا له على أثر، غير خيط من الدماء ،يبدأ منذ لك المكان، وينتهي على حافة السفينة القريبة من الماء، وغير الحزام الذي كان يربط به ساقه ،وقطعة الجلد التي كان يضعها على عينيه . لقد كان يمثل دور القرصان ،ليخفي هيئته عن رجال الشرطة، ولكن العريف ” ريد ” عرفه، حين نظر كل منهما إلى الآخر.
الجزء الثاني
-
تأليف: ضرغام فاضل
راح العريف ” ريد ” ينظر إلى الساحل ، بينما قفز بعض رجال الشرطة من السفينة للبحث عن القرصان المزعوم ، وهم يتتّبعون قطرات الدم التي كانت تسيل منه بسبب إصابته .
-
بعد أن اقتاد رجال الشرطة البحارة جميعاً ، أخذ العريف ” ريد ” بالاحتمالات التي يمكن ان يؤول إليها مصير البحث عن الجريح الهارب .
ولم يضيع وقتاً طويلاُ في البحث عن خيط يقوده إليه غير خيط الدم .
-
فجأة انتبه العريف ريد إلى ورقة صغيرة ، التقطها بيده من الأرض ، وراح يقرأ باهتمام كل كلمة فيها .
وخمن أنهّا سقطت من القرصان الهارب .. لكنّه لم يجد فيها ما يمكن أن يساعده في مهمّته ، وتردّد في أن يرميها أو أن يحتفظ بها . وأخيراً دسها في جيبه .
-
أخذ رجال الشرطة يبحثون في كل مكان .. ولم يتركوا مكاناً في الساحل دون أن يبحثوا فيه ، متتبعين خط خيط الدم وآثار القدمين .
-
انقطعت الآثار قرب كوخ مهجور ، فتوزّع رجال الشرطة على الفور ، وطوّقوا المكان . وكان العريف ” ريد ” قد وصل هو الآخر ، فأشار إليهم أن لا يطلقوا النار .. لأنه يريده حيّاً .
-
هجم رجال الشرطة على الكوخ بحركة سريعة ، يتقدمهم العريف ” ريد ” لكنّ خيبة الأمل سرعان ما ظهرت على وجوههم ، فلا أثر لأحد داخل الكوخ .
-
خرجوا من الكوخ وهم يتساءلون أين يمكن أن يكون قد اختفى ؟
وكيف اختفى بهذه السرعة ؟
وراحوا ينظرون حولهم ، علّهم يجدون خيطاً يقودهم إليه .
-
انتبه أحد رجال الشرطة إلى حركة غريبة تصدر من الكوخ ، فأشار إلى العريف ” ريد ” الذي فهم الإشارة فوراً ، فأشار إلى رجال الشرطة أن يغادروا المكان ، وهو يقول لهم: لنذهب من هنا ، ونبحث في مكان آخر فلا أثر له هنا .
– ابتعد رجال الشرطة عن المكان ، ولم يبقَ غير العريف ” ريد “، لقد أراد أن يوهم الذي في داخل الكوخ أن الخطر زال عنه، وهكذا يمكن أن يقع في قبضته بسهولة.
– وبحركة سريعة قفز العريف ” ريد ” إلى داخل الكوخ وصوب مسدسه باتجاه القرصان الهارب، الذي فوجئ بذلك، ولم يعد يعرف ماذا يفعل. لقد انتهى كل شيء، وها هو سيعود إلى الحبس مجددا.
– اقتاد العريف ” ريد ” خارج الكوخ.. وكان رجال الشرطة يظهرون من مخابئهم واحدا بعد الآخر.. وعلامات الفرح تبدو على وجوههم، فالمهمة قد انتهت أخيرا، وسيكون بإمكانهم العودة بنجاح.
-
نظر العريف ” ريد ” إلى القرصان الذي وضع رجال الشرطة القيود في يديه ، وأجلسوه على الأرض .. وسأله عن المكان الذي أخفى فيه الكنز . فأنكر القرصان معرفته بذلك ، ممّا جعل العريف ” ريد ” يغضب وهو يقول:
-
الإنكار لا يفيدك ، اعترف ولتنته هذه المهزلة .
-
-
أصرّ القرصان على الإنكار ، ولم تنفع معه تهديدات العريف ” ريد ” ، ممّا جعل الأخير يفقد أعصابه ، فأمر رجال الشرطة أن يقيّدوه إلى شجرة ، ثمّ صوّب مسدسه نحوه قائلاً :
-
سأقتلك إن لم تعترف .
-
-
لم يجد القرصان مفرّا من الاعتراف ، بعد أن تأكد أن العريف ” ريد ” جادّ في إنهاء مهمته، ولكنه اشترط أن يفكوا قيوده وأن يأتوا له بالماء والطعام ففعلوا ذلك بسرعة ، وراح القرصان يشرب الماء وهو ينظر إلى العريف ” ريد ” كأنّه يراه لأوّل مرة .
-
كانت أعصاب العريف ” ريد ” متوترة ، فصرخ في وجه القرصان :
” هيا .. قل بسرعة أين الكنز ؟ ” .
فأجابه أنه ليس معه ، وأنه مع شريكه .
وهنا أحسّ العريف ” ريد ” بالضيق ، وأدرك أنّ المهمة لم تنته بعد ، وأنّها بدأت من جديد .
-
شرح القرصان المزعوم لرجال الشرطة في مركز الشرطة كل شيء ، وأخبرهم أنه ليس القرصان الذي نجا بعد غرق سفينة القراصنة ، وأنّه تعرف عليه صدفة في المقهى ، وقد لفت انتباه كلّ منهما الشبه القريب بينهما .
-
وراح السجين ذو اللحية الكثّة يشرح لرجال الشرطة ما دار بينهما من حديث في المقهى ، وكيف أنّ القرصان أعجب به ، وراح يحدثه عن الخريطة ، والكنز ، وكيف اتفقا على سرقة الخريطة من مركز الشرطة ؟
-
توقف السجين ذو اللحية الكثةعن الكلام فجأة ، وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً ما . فبادره العريف ” ريد ” بالسؤال عمّا جرى بعد ذلك .
-
وقبل أن يجيب عن السؤال .. دخل إلى الغرفة ضابط . فنهض العريف ” ريد ” حالما رآه.. وأدّى له التحيّة .
-
جلس الضابط على كرسيّ قريباً من السجين ، بينمّا ظلّ العريف ” ريد ” واقفاً يتأمل وجه الضابط الذي ترتسم عليه ملامح الوقار وكان السجين ينظر إليه أيضاً ويراقبه .
لم يكن وجه الضابط عادياً ، إنّه الضابط المسؤول عن التحقيق في أخطر الجرائم .. وهذا ما يعرفه السجين ذو اللّحية الكثة تماماً .
-
طلب الضابط من العريف ” ريد ” أن يرسل بطلب فنجان قهوة له . وأشار إلى السجين إن كان يطلب شيئاً . فأجاب أنّه يريد ان يتناول قليلاً من الطعام . لأنه يشعر بالجوع .
-
خرج العريف ” ريد ” من الغرفة ولم يبق فيها غير السجين والضابط تبادلا نظرات عديدة قبل أن يسأل الضابط السجين عن اسمه، فأجابه أنه يدعى ” الثعلب ” أما اسمه الحقيقي فهو ” مارك “.
-
وصل العريف ” ريد ” ومعه أحد رجال الشرطة يحمل القهوة للضابط والطعام للسجين. بعد أن عرف الضابط أشياء كثيرة عن مارك الذي كان يتناول طعامه وهو ينظر إلى الضابط خلسة، فيما كان الآخير يرتشف فنجان القهوة بهدوء.
-
حين أنهى ” مارك ” تناول طعامه، قال له الضابط :
-
هيا نواصل حديثنا يا مارك .
-
ففوجيء العريف ” ريد ” باللّغة التي يخاطب بها الضابط هذا السجين . أمّا مارك فإنه أدرك أنّه أمام ضابط يعرف ما يريد بالضبط ، ويعرف كيف يصل إلى ما يريد .
-
قال الضابط :
-
ماذا فعلت بالخريطة التي سرقتها من مركز الشرطة ؟
-
فشرح له ” مارك ” كيف أنّه أوصلها إلى القرصان فوراً ، وأنهما ذهبا معاً وأخرجا الكنز وقبض الثمن الذي اتفق عليه مع القرصان .
-
ابتسم الضابط وهو يستمع إلى حديث ” مارك ” . وكان يدرك أنه لا يقول الحقيقة . فمن خبرته الطويلة صار يمتلك حاسّة للتمييز بين الكلام الصّادق والكلام المليء بالأكاذيب . وليس من العسير عليه أن يكتشف أن مارك يحاول ان يخفي الحقيقة خلف قصّة نسجها من خياله . وأحسّ ” مارك ” بما يدور في فكر الضابط ، وأدرك أن عليه أن يكون حذراً في كلّ كلمة يقولها .
-
نهض الضابط من كرسيّه ووقف قرب نافذة ، وراح يقول :
-
” إنّ الطقس هذا اليوم جميل جداً ، والسماء صافية ، وسيكون رائعاً أن نقوم بنزهة أنا وأنت يا مارك ” .
-
أدرك مارك ما يعنيه الضابط تماماً فقال له :
-
لقد تأكدت من صدق كلامي إذن ..
-
اقترب الضابط من مارك ، وعندما صار خلفه تماماً وضع يديه على كتف مارك ، وقال له بهدوء :
-
” ليس تماماً .. فإنك لم تقل لي أين شريكك الآن ؟
-
أجابه ” مارك ” :
-
إنّه ليس شريكي .. فقد كان هو صاحب الكنز ، وأنا اتفقت معه على سرقة الخريطة مقابل مبلغ من المال “
-
عاد الضابط إلى كرسيّه ، ولكنّه هذه المرّة لم ينظر إلى مارك وإنّما وجّه نظراته إلى العريف ” ريد ” وهو يقول له :
-
” هل تصدّق ذلك أيها العريف ؟ “
-
فوجيء العريف ” ريد ” بالسؤال ، ولم ينتظر الضابط الإجابة . فقد قال مخاطباً مارك ، دون أن ينظر إليه :
-
” ألم يكن بإمكانك بعد أن سرقت الخريطة من المركز أن تحصل على الكنز بمفردك؟
-
أطرق ” مارك ” برأسه إلى الأرض كان وقع السؤال عليه كالصاعقة فلم يكن يتوقعه، ولهذا راح يفكّر بسرعة ليهتدي إلى إجابة مقنعة على هذا السؤال .
أما الضابط فكان يراقب ” مارك ” بعناية ، ثم قال للعريف ” ريد ” دون أن ينظر إليه :
-
” ماذا كنت تفعل يا عريف لو كنت مكان مارك ، هل كنت تحمل الخريطة إلى القرصان ؟ ألم تأخذا الكنز وتهرب ؟
-
رفع مارك رأسه وراح ينظر إلى العريف ” ريد ” وهويقول :
-
” لو كنت مكانه يا سيّدي لما سلّمت الخريطة للقرصان ، ولو أننّي لا أفكر أبداً أن أكون مكانه في أيّ يوم ” .
-
-
ابتسم الضابط وأشار إلى العريف ” ريد ” أن يخرج .
وخرج ” ريد ” ولم يبقَ في الغرفة من جديد غير الضابط والسجين مارك .
وما إن خرج ” ريد ” حتى قال ” مارك ” للضابط :
-
” سأقول لك الحقيقة كاملة هذه المرة ” .
وراح يشرح للضابط كيف أنه اتفق مع القرصان على أن يقتسما الكنز ، وعندما سرق الخريطة كان القرصان بانتظاره . فذهبا سوية إلى فندق .
-
قال ” مارك ” :
” دخلنا الفندق الذي استأجر فيه القرصان غرفة مزدوجة ، وجلسنا أولاً في صالة الفندق . وحين جلست .. رأيت صديقاً لي كان يجلس أمامي .
-
نهضت وذهبت إليه .. وحيّا كلّ منّا الآخر .. وجلست معه أسأله عن أحواله ، ويسألني عن أحوالي ، وانشغلت معه بحديث طويل .
-
لم أنتبه لاختفاء القرصان .. إلاّ بعد وقت غير قصير . ففكّرت أنّه ربما ذهب إلى الغرفة .
-
سألت موظّف الاستقبال في الفندق عنه ، فعلمت أنّه غادر الفندق . وأدركت حينها أنّه أخذ الخريطة واختفى ، وأنّني لن أجده .
هّز الضابط رأسه ، بينما تابع ” مارك ” قصته :
-
” وقد بحثت عنه طويلاً ، فلم أعثر عليه ، وذهبت إلى المكان الذي يفترض أن يكون الكنز فيه ، وبحثت عن الكنز فلم أجده ، وأدركت حينها أن القرصان سرق الكنز وهرب .
-
رفع الضابط قدح الشاي وأخذ منه رشفة . ثمّ جاء العريف ” ريد ” حسب طلب الضابط ليأخذ السجين ” مارك ” إلى الزنزانة .
-
في مكتبه كان الضابط يجلس وهو يفكّر أيضاً بكلّ ما قاله ” مارك ” .
لم يكن الضابط مقتنعاً، بل كان يشعر أنّ مارك ألّف قصّة وهمية ، وأنّه أخفى الحقيقة .
-
رنّ جرس الهاتف .. فرفع الضابط السمّاعة ، وأخذ يتحدّث . كان هناك شخص
مجهول يطلب مقابلته ليبلغه بمعلومات مهمّة حول الكنز ؟
-
كان مارك يجلس في زنزانته وهو يفكّر فيما إذا كان الضابط قد اقتنع وصدّق ما رواه له أم لا ..
-
بعد ثلاثة أيام .. دخل العريف ” ريد ” على الضابط الذي كان يجلس في مكتبه .
أدّى التحية وقال :
-
” سيدي وصل الشّاب الذي طلبت منّا أن نبحث عنه .
-
جلس الشاب على كرسيّ بجوار مكتب الضابط .. وبعد أن سأله عن اسمه أجاب
الشاب :
-
اسمي هو ” مايكل ” .. وأدعى ميكي .
سأله الضابط إن كان يقيم أو يعمل في الفندق الذي قال مارك إنّه التقاه فيه ، فأجاب الشاب أنّه يقضيّ إجازته هناك منذ حوالي أسبوعين .
-
بعد نصف ساعة من الأسئلة والأجوبة غادر الشاب مكتب الضابط بصحبة العريف ” ريد ” وقد طلب الضابط من ريد أن يري الشّاب السجين ” مارك ” .
-
وقف العريف ” ريد ” أمام زنزانة السجين ” مارك ” وإلى جانبه الشاب ” مايكل ” .
سأله ” ريد ” :
-
هل هذا هو الشخص الذي شاهدته في الفندق ؟
أجاب مايكل :
-
نعم .
-
انصرف العريف ” ريد ” والشاب ، وأحسّ ” مارك ” بالارتياح فهذا هو شاهد إثبات على صدق روايته يؤيّد ما قاله للضابط .
-
عاد الشّاب بصحبة العريف ” ريد ” إلى مكتب الضابط الذي فاجأه وهو يجلس :
– أين رأيت ” مارك ” أول مرّة قبل أن تشاهده في الفندق ؟
فوجيء الشّاب بسؤال الضابط المباغت . ولم يستطع أن يخفي ارتباكه . ولاحظ الضابط ذلك .
قدّم الضابط قدحاً من الماء للشّاب ، وجلس أمامه على كرسيّ مقابل لكرسيّه . وراح يطمئنه على أنّ اعترافه وإدلاءه بالمعلومات الدقيقة سيجنّبه أيّة مشاكل مع القانون .
-
أخذ الشاب يحكي للضابط كيف تعرّف على ” مارك ” ، وكيف التقيا قبل أن يسرق الخريطة ، وكيف اتفقا على أن يوقعا بالقرصان ، ليصبح الكنز لهما فقط ، وأنّ مارك جاء مع القرصان إلى الفندق .
-
عندما جاء إلى الفندق ، تعمّد ” مارك ” أن يجسل في الصّالة أمامي بالضبط ، متظاهراً أنّه لا يعرفني .. وراح يقرأ جريدة .
-
نهضت من مكاني ، وأنا أنظر للقرصان ، فانتبه إلى ذلك .
-
وقفت قرب موظّف الاستقبال وأنا أنظر إلى القرصان ، الذي اعتقد أنني ضابط شرطة يراقبه .
-
بعد قليل نهض القرصان و ” مارك ” وخرجا من الفندق ، وخرجت وراءهما دون أن أدع القرصان ينتبه لذلك هذه المرّة .
-
سأله الضابط بحماس :
-
” وماذا بعد ” ؟
-
فأعلمه مايكل أن القرصان ومارك وصلا إلى شارع ضيّق خالٍ من المارّة ، وهناك توقّف مارك .
-
كنت أنا حينذاك قد هجمت من الخلف على القرصان ، فيما أخذ مارك يكيل له الضربات القوّية ، حتى سقط القرصان على الأرض فاقد الوعي .
-
حملناه بعد ذلك أنا ومارك ووضعناه في صندوق سيارتي ، التي أوقفتها في هذا الشارع حسب خطتنا .
-
ثم صعدنا أنا ومارك في السيارة .. وفي الطريق قلت لمارك :
-
لماذا لا نذهب لإخراج الكنز ثم نهرب ؟
-
فأخبرني أنه يريد أن يتخلص من القرصان أولاً ، لأن بقاءه على قيد الحياة يشكل خطورة لا تنتهي على حياتنا .
-
وصلنا إلى مكان مهجور ، وهناك اوقف مارك السيارة ، كنت أشعر بالخوف الشديد ، بينما نزل مارك من السيارة بكل هدوء .
-
بعد دقائق .. عاد ” مارك ” وهو يضحك .. وعرفت منه أنه تخلص من القرصان إلى الأبد .
أصبح كل شيء واضحاً للضابط .. وأحسّ بالارتياح أخيراً فجهود الشرطة أثمرت في الوصول إلى الحقيقة أخيراً ، وابتسم وقال للشاب :
-
” وماذا بعد ؟ .. وماذا بعد أن قتلتما القرصان ؟ “.
قال الشاب وهو يبكي :
-
” هل أنا مذنب أيها الضابط ؟ .. إنني لم أقتل القرصان .. لقد كنت ضحية .. صدقني ، خدعني مارك وورطني معه ” .
بعد ثلاثة أسابيع .. كان مارك ومايكل يقفان في قاعة المحكمة وهما يعترفان بكل شيء كما جرى ..
وحين أعلن القاضي قرار الحكم على مارك ، راح يبكي نادماً على ما تورط به بسبب الطمع .. أما مايكل فقد قال له :
-
” كان بإمكانك يا مارك ان لا تجعلنا نقف هذا الموقف أبداً ” .
[ انتهت ]