عمو زكي..وأنا
لي مع المربي الفاضل عمو زكي ذكريات ماأكثرها، وأغلبها طريفة ..وذلك لخّفة دمه وروحه المرحة..حيث كان لايتوانى عن ملاطفة هذا أو المزاح مع ذاك..كان قد ترك العمل في الإذاعة والتلفزيون فترة طويلة، بعد توقّف برنامجه الشهير ( صندوق الدنيا) الذي نال من ورائه شهرة واسعة النطاق..ثم مالبث أن عاد إلينا في السبعينيات بعد أن صار لبرامج الأطفال في إذاعة بغداد قسم مستقل يرأسه الأستاذ الكبير طالب السعد.ومازلت أذكر تلك اللحظة التي قابلت فيها عمو زكي..كان الرجال والنساء يتحلّقون من حوله، كمن رأوا ملاكا ينزل لهم من السماء ((هذا عّمو زكي..عاد عمو زكي))..أما نحن الذين كنا مانزال في مرحلة المراهقة..فلم نعرف من هو عمو زكي..لأن المرحلة التي كان يبث فيها برنامجه كنا صغارا جدا، وبعضنا لم يولد أصلا..المهمّ..انضمّ إلينا عمو زكي ليقدم فقرات خاصة به ضمن برنامج الأطفال اليومي ( عالم الأطفال) التي كانت تبثّه إذاعة بغداد مرتين في اليوم الواحد..وكانت قصص عّمو زكي تلقى اهتماما من الصغار والكبار..حتى أنيط إليه فيما بعد إعداد وتقديم برنامج خاصّ به، يعنى برياض الأطفال..فأخذ على عاتقه مهّمة الاتصال بإدارات هذه الرياض المنتنشرة في بغداد ونواحيها وبعض المحافظات القريبة..وكان يتابع بنفسه كل صغيرة وكبيرة..ابتداءا من النصّ والأسئلة التي كان بنفسه يعدها ، وحتى الهدايا والجوائز التي يقدمها للأطفال، كان في أغلب الأحيان هو الذي يشتريها من جيبه الخاص ،أو أن يحصل عليها من جهات أخرى كمبادرة ودعم لهذا البرنامج..وكان كل ماعلينا فعله هو مرافقته إلى هذه الرياض، من أجل تسجيل الحلقة على جهاز متنقل، ومن ثم العودة إلى مبنى الإذاعة لإجراء عملية المونتاج..في حينها كنت ماأزال مخرجا متدربا ،أقوم بإخراج البرامج القصيرة وبعض القصص البسيطة..لذلك كان عليّ في أغلب مرافقة عمو زكي في سيارته الصغيرة ، التي كان يسمّيها ( المجرقعة) ولاأدري من أين جاءت هذه التسمية، ربما تكون تركية الأصل ومعناها القديمة أو البالية او ربما التعبانة.. كنت أرافقه لأسجّل له الحلقات على جهاز التسجيل..ومن ثم العودة لعمل المونتاج عليها..
في أحدى المرات وبعد انتهائنا من تسجيل إحدى الحلقات وفي طريق العودة إلى مبنى الأذاعة في الصالحية..صادفنا اونحن نسير فوق جسر الجمهورية ببغداد ازداحام غير عادي..جعل حركة السير تتوقف، وصارت السيارات متلاصقة ببعضها، لايفصل بين سيارة وأخرى إلا مسافة بضعة سينتمرات..وكان رحمه الله قليل التركيز، ونظره يكاد يكون ضعيفا..إضافة إلى أنه لايسكت أبدا..كان رحمه الله كثير الكلام، حتى وهو يقود السيارة..ولهذا ومن جراء الازدحام وحرارة الجو اللهابة ..اصطدمنا بالسيارة التي أمامنا..فصرخت : ( هاي شسويت عمو زكي..ضربت السيارة) فكان أول رد فعل له، أنه رجع بالسيارة إلى الخلف..مما جعله يضرب السيارة التي خلفنا ،فصرخت: ( عمو زكي الله يخليك شويه ركّز) ..نزل صاحبا السيارتين والشرر يتطاير من عيونهما..ونزل عمو زكي مبتسما، يقّبل خدّي صاحبي السيارتين، وهو يقول: (عذروني ياجماعة والله ماأعرف شلون صار هيج) ولمّا عرفا أنه عمو زكي..فرحا كثيرا ، وصارا هما اللذين يعتذران منه لعصبيتهما..وتمنيا لو كانت هناك كاميرا لالتقاط صور معه.
هذا هو عمو زكي..روح مرحة..قلب كبير..عطاء حتى نهاية عمره..رحمه الله
المخرج: ضرغام فاضل

نبذة عن : عمو زكي
زكي مكي الحسني أشهر مقدم برامج أطفال في العراق» ولدعام1915 في محلة القره غول ببغداد.كان جدهٌُ (قصخونا) يقص الغرائب والعجائب على رواد مقهى الفضل ١ التي كانت لعمو زكي بمثابة مسرح أو تلفزيون »شغف بتقليد جده حتى أصبح بين أقرانه (قصخونا صغيرا) »بعد وفاة جده عرف معنى الطفولة المعذبة وصعوبتها فقرر أن يفعل شينا جديدا من اجل الأطفال. --في سنة1929 شارك بأول عمل مسرحي ( أم عمش) تأليف المرحوم (نديم الاطرقجي) ثم انظم الى الفرقة المسرحية للمعهد العلميءالذي كان يعلم الاطفال الموسيقي وبعض الفنون إضافة للقراءة والكتابة»كان يستمع لبرنامج (بايا صادق) من إذاعة القاهرة فتأثر به وقرر أن يقلده ويصيح (عمو زكي) . --بدأت صلته بالمذياع عام1938 عند تأسيس الإذاعة التي كانت مرتبطة بوزارة المعارف آنذاك .حيث قدم طلبا لتقديم أول برنامج للاطفال وكان( فؤاد بش آنذاك فرفض طلبه لكونه صغير السن وقصيرة القامة فرد على درويش) مدير درويش بثقة: أنت أيضا قصير ومع ذلك فأنت المديرءفأدهشته العبارة وقاده من يده ووضعه أمام الميكرفون ليقف على كرسي وهو يقدم برنامجه الإذاعي التربوي الموجه للأطفال (جنة الاطفال) ويشمل حكايات و قصص .ومشاهد تمثيلية قصيرة يقوم بها الأطفال .أستمر هذا البرنامج بدون أنقطاع لأربعين عاما ثم اخذ يقدمه من على شاشة تلفزيون بغداد بعد عام 1957 واستمر الى بداية السبعينات . توفي في بغداد في1986 ودفن في مقبرة الكرخ » »وهو والد المخرج الراحل المعروف ( مظفر زكي).


وفاة عمو زكي
عندما كانت الحرب على أشدها، وكانت الفاو تشتعل بين كرّ وفر..انتقل عمو زكي إلى الباري عز وجل، ورحل عن عالمنا بصمت وهدوء..حتى إن جنازنه لم يحضرها إلى المقربون والعائلة الصغيرة..وعندما هدأت الأوضاع، أدرك الجميع أنهم خسروا قامة كبيرة في عالم الطفل ..خسروا مربيا فاضلا أفنى عمره من أجل سعادة الأطفال وغرحهم وتربيتهم ..وبدأت الصحف والمجلات تكتب عن رحيل عمو زكي..ومما نشر نختار لكم ماكتبته مجلة ألف باء..وتحدث إليها أطفال عمو زكي ، الذين أصبحوا كبارا وأدركوا أن عمهم زكي قد فارقهم إلى الأبد..وكان ضرغام فاضل ممن تحدثوا إلى المجلة مع عدد من أصدقائه وزملائه..منهم علاء محسن،هناء محمد ، سهير إياد، ناظم فالح، فائز جواد..


